قال الرحالة هاري جون فيلبي عن الملك عبدالعزيز: «بكل تأكيد إنه أحد الملوك القلائل جداً الحاكمين فعلاً، إن هدفه الوحيد حماية مصالح الإسلام والعرب، ولن ينكر أحد أن البلاد التي يحكمها نعمت ببركة السلم بقدر لا نظير له في تاريخ شعبه ويندر أن يضاهى في أي مكان آخر في العالم المضطرب في زماننا، فبالسلم نعمت بلاده والتقدم والرفاهية». وألف عدداً من الكتب عن المملكة ذكر فيها نشأة المملكة وتطورها وجهود الملك عبدالعزيز في تأسيسها وتوحيدها وأسهم في تركيب محطة اللاسلكي بالمدينةالمنورة. شارك الرحالة في أول رحلة للمقيم البريطاني في الخليج إلى المملكة عام 1917 للتباحث مع الملك عبدالعزيز آل سعود في علاقة بريطانيا به، وتعرَّف عن قرب على المؤسس وأعجب به واختلف مع رؤسائه في تقويم دوره في المنطقة، فقرر ترك العمل الحكومي والمجيء إلى المملكة للعمل بالتجارة، فتوثقت علاقته بالملك عبدالعزيز ورافقه في أسفاره، وعرض عليه الملك دراسة الإسلام، واعتناقه فأسلم عام 1930، وأدى الحج في موكب الملك عبدالعزيز. وفي حديثه عن الحج كتب: «الحج السنوي إلى مكةوالمدينة أصبح أكثر أمناً ويسراً عن ذي قبل، كما يشهد بذلك عشرات الآلاف من الحجاج، وبمعاونة المعدات والآلات الصناعية الأجنبية أجبرت الصحارى العربية على تسليم كنوزها المخفية - الزيت والذهب بصفة خاصة - وأدخل الملك عبدالعزيز إلى بلاده وسائل التطور من برق ولا سلكي وسيارات وكهرباء وآلات زراعية التي أصبحت مألوفة في أرض كانت من قبل أرض مخاطر وقصص غرامية وهمية». ويصف الرحالة استعدادات الدولة لاستقبال الحجاج داخل مكةالمكرمة قائلاً: «بدأ الاستعداد لمناسك الحج فأقام الملك عبدالعزيز حفلة عشاء تكريماً لضيوف الرحمن ودعا إليها 700 من كبار الشخصيات، وتكلم فيه الملك الذي ليس في كل الجزيرة العربية - الأرض التي لا تفتقر إلى الفصاحة - من خطيب أكثر منه تمرساً في الخطابة، أو أكثر تواضعاً وبساطة في الأسلوب، ولا أثقل وزناً وأشد تأثيراً». ويصف حركة الحجيج الراكبين منهم والمشاة كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء وأطفالاً، «ومن حين لآخر تأتي مركبة تحمل إذناً ممهوراً من الملك تشخر في الزحام، لأن كل حركة المركبات ممنوعة في مكة خلال أيام الحج». في يوم التروية، «تحرك الحجاج إلى منى، وبقي الملك تأتيه التقارير الميدانية، ويوجه أوامره لحل ما يعترض من مشكلات ويصرف أمور الدولة حتى الظهر عندما توجّه إلى منى، وقمت برحلتي إلى منى في مركبة وزير المالية، ورأيت الجمل النجدي في الطريق نافراً من هدير المركبات بينما أخوه الحجازي وطن نفسه عليها منذ فترة طويلة». ويصف الرحالة تحركه من منى إلى عرفة التي وصلها على ظهر جمل في معية الملك عبدالعزيز، إذ «سارت القوافل في موكب رهيب لم يكن هناك أقل من 10 آلاف جمل خلف الملك ذلك الصباح». ولفت نظره منظر الخيام في صعيد عرفة وسماعه لخطبة الجمعة التي ذرفت منها العيون، وزحمة الحجاج على جبل الرحمة، وقدومهم للسلام على الملك عبدالعزيز، وركوبه حصانه ومعه حاشيته والهوادج المغطاة للنساء محجوبة عن عيون الرجال». ويذكر فيلبي أنه مر على مجموعة من النساء يحفرن بعناية حفراً غير عميقة ليدفن فيها خصلات الشعر مما تقطع بالتمشيط، «ربما اعتقاداً خرافياً منهن بأن دفنها في هذا المشعر يهبهن متعة المحبة الدائمة». ويقول الرحالة: «رأيت حجاجاً أمضوا أعواماً عدة منذ مغادرة بلادهم لأداء الحج، فهذا رجل وزوجته أبلغاني أنهما بدآ رحلتهما ومعهما طفل واحد فأصبحوا بعد 14 عاماً أسرة من 6 أشخاص، وهذا آخر ادعى أن عمره 120 عاماً قضى ما لا يقل عن 70 منها في طريقه من لاغوس - نيجيريا - لأداء الحج واستثمرها في تلقي العلوم حيثما مر، وكان في الخرطوم يوم قتل جنود المهدي الحاكم البريطاني غوردون باشا (1885)». وصف الرحالة نفرة الحجاج من عرفة ووصولهم إلى مزدلفة وجلوس الملك على أبسطة فرشت له «وجيء بالعشاء في صوان ضخمة، فأكلنا وأمر الملك مساعديه بالذهاب لدعوة الحجاج للعشاء، فجاءوا بالمئات ليأكلوا من مائدة الملك، ثم انصرفوا بدعوات عالية». وذكر الرحالة أن الملك ركب من مزدلفة حصاناً ليكمل الطريق إلى جمرة العقبة. كما راقب سير الحجاج إلى مكةالمكرمة. وفي رحلته إلى المدينةالمنورة لتركيب محطة اللاسلكي قدم وصافاً مفصلاً لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم «بقدر ما قرأت عن المدينة، فإني أقر بأني لم أكن مهيئاً أبداً لا لسحرها ولا لمعناها، كانت أيامي في المدينة ممتعة حقاً فوق التوقعات التي كان أوحى لي بها انطباعي الأول من قراءاتي، فالذي لا أشك فيه أنها مدينة لها روح، إن جاذبيتها للروح لا للعقل، إن عاطفة الارتباط بالمكان، الذي نمته ورعته قرون طويلة من التقديس والإجلال المحلي تتخلل كل جو المدينة بالقدر نفسه، الذي تهيمن فيه قبة مسجدها على المنظر الطبيعي فيها». ويقول الرحالة: «إن المركبة الخاصة تكاد تكون ترفاً غير معروف في المدينة، للأمير مركبته، ومدير البريد السيد يحيى، ولآل الخريجي، ولناصر بن عقيل». وعقد الرحالة فصلاً خاصاً بجبل أحد «من قمته يمكن للمرء أن يرى أجمل منظر عام للمدينة، واعتقد يحق لي الادعاء بأني الأوروبي الوحيد الذي وصل أو حاول الوصول إلى قمته عام 1931 بصحبة السيد محمد السقاف الذي عاد إلى الحجاز بعد 40 عاماً قضاها في القسطنطينية».