إعصار قوي جديد يضرب الفلبين هو السادس في خلال شهر    شرطة الدمام تقبض على يمني قتل آخر حرقاً بالأسيد وطعنه بسكين    إحباط تهريب 590 كجم «قات» بمنطقتي عسير وجازان    حسن آل الشيخ يعطّر «قيصرية الكتاب» بإنجازاته الوطنيّة    12 اتحادا تختار إداراتها الجديدة    المواصفات السعودية تنظم غدا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    الليث يتزعم بطولتي جازان    الهدى يسيطر على بطولة المبارزة    برامج تثقيفية وتوعوية بمناسبة اليوم العالمي للسكري    إعلان أسماء 60 مشاركاً من 18 دولة في احتفال "نور الرياض 2024"    تطبيق الدوام الشتوي للمدارس في المناطق بدءا من الغد    بيان سعودي فرنسي عن الاجتماع الثاني بشأن العُلا    الأربعاء المقبل.. أدبي جازان يدشن المرحلة الأولى من أمسيات الشتاء    وزير التجارة: منع الاستخدام التجاري لرموز وشعارات الدول والرموز والشعارات الدينية والطائفية    السيطرة على قريتين .. تقدم روسي شرق أوكرانيا    التواصل الحضاري ينظم ملتقى التسامح السنوي "    «الداخلية»: ضبط 20124 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    ضيف الرأي: الفنانة التشكيلية مروة النجار    إطلاق مركز (Learning Hub) للتعامل مع التهديدات الصحية المعقدة    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    المربع الجديد استعرض مستقبل التطوير العمراني في معرض سيتي سكيب العالمي 2024    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    يدعوان جميع البلدان لتعزيز خطط العمل الوطنية    استمرار تشكل السحب الممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    سوق بيش الأسبوعي.. وجهة عشاق الأجواء الشعبية    اكتشاف مخلوق بحري بحجم ملعبي كرة سلة    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    رونالدو يقود البرتغال للفوز على بولندا والتأهل لدور الثمانية بدوري الأمم    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    في أي مرتبة أنتم؟    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمهرة رحلات الحج .. أكثر من مائة وعشرين مؤلفاً وصفت رحلات الحج بدقة بالغة
نشر في البلاد يوم 09 - 03 - 2010


عرض - منير عبدالقادر
يستطرد المؤلف الأستاذ أحمد محمد محمود في مؤلفاته الثلاثة رحلات الحج - التي أتت في 420 صفحة من القطع الصغير لكل منها، يستطرد في جمع المزيد من المؤلفات التي وصفت رحلات الحج قديماً، حيث شمل الجزء الأول على نحو 36 مؤلفاً لوصف 36 رحلة منها رحلة العيدري لمؤلفها أبو العباس العيدري، ثم طريق حجاج غرب افريقيا إلى مكة المكرمة، ثم رحلة سلطان مالي الشهيرة برحلة الذهب ورحلة القلصاوي لمؤلفها أبو الحسن القلصاوي الاندلسي، والرحلة العياشية لمؤلفها ابو سالم عبدالله العياشي وغيرها من الرحلات التي ضمها الجزء الأول من الأجزاء الثلاثة للأستاذ أحمد محمد محمود.
في الجزء الثاني تطرق الكاتب إلى الحقبة الحديثة في الرحلات إلى الحج حيث بدأ في جمع ما تم تأليفه عن هذه الرحلات من الأقدم إلى الأحدث بدءاً من الجزء الأول أما الجزء الثاني فشمل نحو خمسة وثلاثين رحلة لشد الرحال إلى الحج من أبرزها رحلة الأمريكي مالكولم اكس إلى الحج وما وصفه في المؤلف الذي كتبه عن رحلته إلى الحج.
كما ضم الجزء الثاني رحلات كل من الرحلة الحجازية لمحمد بن يحيى الولاتي، رحلة الليدي ايفيلين كويولد إلى الحج والرحلة الصعبة للمؤلف احمد طومسون ثم رحلة مايكل وولف إلى الحج، اضافة إلى كتاب ذكريات الحج لمؤلفه عثمان حافظ وغيرها من الرحلات لمؤلفيها محمد التنوغي، محمد القيرواني حاجي خان، مأمون ياسين، ابراهيم رفعت باشا، عبدالعزيز دولتشن، ميرزا فرحاني، أحمد ابراهيم عيسى، ومحدث الشام محمود ياسين والهارب إلى الله عبدالله المسلماني وسعيد ميللر خليفة وغيرهم من المؤلفين.
هذه ليدي ايفلين كوبولد التي اتخذت لها - زينب- اسما انجليزية، من اسرة ارستقراطية، قضت طفولتها في الجزائر ، وفيها تعلمت العربية، وعاشت ولعبت مع الاطفال الجزائريين، وكانت ترى نفسها "طفلة مسلمة في الواقع" ولكنها لما غادرت الجزائر إلى أوروبا نسيت اللغة العربية التي تعلمتها، ونسيت الاطفال التي كانت تلعب معهم.
بعد وفاة زوجها عام 1929م، قررت أداء فريضة الحج وهي في السادسة والستين من عمرها، والتقت سفير الملك عبدالعزيز بلندن الشيخ حافظ وهبه، وأفصحت عن رغبتها في زيارة الأراضي المقدسة، ولو قدر لي أداء الحج، فسيكون الفضل الكبير في ذلك للشيخ حافظ "فغادرت لندن إلى القاهرة ومنها عام 1933م انطلقت بمفردها من القاهرة إلى جدة، وكان على متن السفينة التي أقلتها إلى جدة باشا مكناس، وحاشيته المكونة من 70 فرداً، و"السير أندروريان" العائد إلى منصبه وزيراً مفوضاً في القنصلية البريطانية في جدة، وفي العادة فإن قوافل الحج تنطلق من القاهرة بعد شهر من عيد الفطر ليتمكنوا عند وصولهم قبل أيام من عيد الأضحى من أداء نسكهم.
وبعد رحلة في البحر استغرقت اربعة أيام وصلت إلى جدة يوم 26 فبراير 1933م، فاستقبلها مضيفها عند السفينة في عرض البحر، بلنش يرفرف عليه علم التوحيد، علم السيادة للملك عبدالعزيز وشعرت عندها فعلا أني في مهد العرب "وألقت نظرة على المدينة بمبانيها البيضاء والبنية، ومناراتها التي تشق فضاءها. واسوارها تشبه القلعة، وماء البحر شديد الزرقة، المتوج بالألوان التركوازية، والارجوانية بسبب انعكاسات النباتات البحرية على شاطئه.
وهنا استضافها "جون فيلبي وزوجته-دورا- في منزلهما المعروف "ببيت البغدادي بجدة، ولم يكن بها يومئذ عدد كبير من الأوروبيين ، وربما لا يتجاوز من يعيش فيها 30 فرداً، والنساء بينهم قليل "ولقيت حفاوة من الجالية الأوروبية "ووجدت الحياة في جدة مختلفة عنها في أي مدينة شرقية من المدن التي زارتها، لا توجد بها صنابير مياه، ولا دكاكين عدا ما هو في السوق، لا سنمات، لا أجهزة جرمافون، والضرورات المتعددة التي تعقد الحياة الحضرية لا توجد بها، لكن نمط عمرانها جاذب للإنتباه بحجارته المنقبية، ونوافذه المزخرفة البارزة على الشوارع الضيقة، وليس في جدة أشجار.
"وفي انتظار الإذن لها بالحج، كتبت رسالة لنائب الملك في الحجاز الأمير فيصل تعرفه بنفسها وبالغرض الذي جاءت من أجله، وكانت تنتقل في جدة بسيارة فورد تقلها في تنقلاتها للاستحمام في البحر الأحمر، أو في الطريق إلى مكة قبل منطقة الحرم التي لا يسمح بتجاوزها إلا للمسلمين، و كانت تتغدى مع رجال البنوك الهولنديين، وتتتعشى مع القنصل البريطاني مع غيره من القناصل الترك والايطاليين، والفرس، والبلشفيك، وتتلقى زيارات من الرجالات الأمريكان الموجودين بجدة، ممن كان لهم علاقة بالاستكشافات البترولية الأولية وجاءوا يبحثون عن امتيازات التنقيب ومنهم - هاملتون- توتشيل- وكانت ترى الحجاج متجهين إلى مكة فتغبطهم على ما تيسر لهم.
وكانت الأنظمة وقتها أن القادمين للحج وصادف أن كان موعد الوقوف بعرفات الرابع من أبريل، من الأوروبيين عليهم البقاء فترة طويلة بجدة قبل أن يؤذن لهم بالحج. بسبب أن العديد منهم كان يدعي الاسلام ليتمكن من الحصول على إذن الدخول إلى مكة والمدينة. فكان قرار الحكومة السعودية مراقبتهم خلال فترة وجودهم بجدة للتأكد من صحة دعواهم "اعتناق الاسلام" كذلك فإن علاقات الأوروبيين الاستعمارية بالبلاد الاسلامية في تلك الفترة عززة الشكوك فيهم.
وزارها عدد من الشخصيات السعودية البارزة منهم "فؤاد حمزة، والذي سلمته رسالتي لنائب الملك، ثم كان لها لقاء بالأمير فيصل نائب الملك - ابن سعود في الحجاز في منزل - فيلبي- وعمل "فيلبي" على تسهيل الحصول على إذن لها بالحج، من خلال عرض قضية حجها على الملك عبدالعزيز في مكة المكرمة، وقد توجت جهودها يوم 12 مارس بإذن الملك لها بذلك، بعد أن وصلته رسالة حولها من سفيره في لندن: حافظ وهبة، فكان أول ما قامت به زيارة المدينة المنورة ، فغادرت جدة إليها يوم 15 مارس على متن سيارة استأجرتها لتنقلاتها في الحج مدة 20 يوماً.
ولم تخف إعجابها بالملك عبدالعزيز، وبرامجه التي وضعها للنهوض بدولته الفتية، وكيف أن أداء الحج أصبح يتم في ظروف آمنة، أكثر بكثير عما كان عليه الحال قبل ضم "الحجاز إلى المملكة السعودية" وهناك شهدت كيف انشئت محطات في طريق القوافل التي شاع فيها طوال القرون السابقة انعدام الأمن والأمراض والجوع، والموت عطشاً.
وشهدت كيف انشئت فنادق لإيواء النزلاء من الرجال والنساء والاطفال في جدة، وينبع والمدينتين المقدستين: مكة والمدينة، وحددت أجور معقولة لنزلائها ، وتحدثت باعجاب عن الاصلاحات الاجتماعية التي أدخلها - ابن سعود - في دولته ومنها: وضع برنامج رعاية اجتماعية للنساء المعدمات، وانشاء مشافي وتوظيف أطباء يحملون أعلى الشهادات من باريس وكانت ترى بصمات أعمال الملك عبدالعزيز في كل مكان، وسيرته الطيبة على كل لسان في بلاده، خاصة ما وفره من رعاية للحجاج من علاج في محطات الطريق، حيث شكل الملك عبدالعزيز لجنة تتابع صيانة هذه المنشآت بما يوفر راحة الحجيج.
وصلت المدينة المنورة يوم 17مارس، وفي نزلها زارتها سيدات، منهن واحدة كانت تعرفت عليها في دمشق، ودار الحديث حول حقوق المرأة الأوروبية . وحريتها، ومشاركتها في الحياة السياسية، كما روت لهن كيف اهتدت للاسلام "استيقظت يوم 16 مارس 1933م - 20 ذي القعدة 1351هجرية: على صوت آذان الفجر، ومن النافذة شاهدت المآذن العالية من الناحية الجنوبية، وشاهدت القبة الخضراء، لفني سرور عظيم، فها أنذا بالقرب من المسجد الذي يتبرك بالاسلام، توضأت ونزلت بسرعة لأذهب مع المزور، اسدلت الحجاب جيدا على وجهي، ودخلت إلى بوابة محراب كبير، من باب آخر تصله أشعة نور الفجر، ويصدح فيه هديل الحمام، ورحلت أشعر من داخلي باحساس من السعادة والهناء".
ويوم 22 مارس قامت بزيارة أمير المدنية حيث رحب بها متمنيا أن يؤدي حجها إلى تقوية عقيدتها، وأديرت في صالون منزل الأمير كؤوس الحليب الساخن، ثم القهوة، والكعك ، وودعته شاكرة للأمير ما قدمه لها، مما سهل زيارتها ومقامها.
يوم 23 مارس غادرت المدينة المنورة مارة على المسيجيد، حيث تزودت السيارة بالماء، وأنعش الركاب أنفسهم بالشاي، مواصلين سفرهم قبل حط رحالهم في العراء لأداء الصلاة وتناول العشاء، ثم مواصلة السفر إلى مكة المكرمة التي وصلتها في 27 مارس، وصادف يوم غسيل الكعبة حيث كان الملك عبدالعزيز داخل الحرم يقوم بذلك، حيث تغسل أرضيتها الداخلية بماء زمزم، ثم تعطر بعطر الورد المشهور في الطائف.
وقدمت وصفا للمسجد الحرام، وأروقته، والكعبة المشرفة، والطواف، وبئر زمزم، والحجر الأسود، وما يفعله الحاج لحظة دخوله البيت الحرام من طواف وسعي، وتضلعه من ماء زمزم، كما قدمت وصفا لعرفات، وجبل الرحمة "حيث حوالي 200 ألف حاج، و300 ألف من وسائط النقل من جمال وغيرها وقدمت وصفا لمشاعرها في ذلك اليوم العظيم ويحتاج الأمر إلى قلم بليغ ليصف ذلك المشهد، والجموع المؤثرة، وقد كنت وحدة صغيرة بينهم، ضائعة في ذلك الزحام، كنت واحدة من الحجاج ممن سلموا أمرهم كلية لإرادة الله. وقد سجلت كتب الرحلات الغربية ان كوبلد كانت أول سيدة غربية تدخل مكة المكرمة وتؤدي مناسك الحج، وقد توفيت عام 1964م ودفنت ورأسها إلى القبلة حسبما تقضي الشريعة الإسلامية.
رحلة المحامي أحمد حسين
قام المحامي المصري - أحمد حسين - بعد رحلته الاولى للحج عام 1934م - قام برحلته الثانية عام 1367 هجرية - 1948م، وانطلق من جدة الى مكة المكرمة بالسيارة - على طريق معبد "وما اعظم الانقلاب الذي احدثه تعبيد الطريق هذا، فقد كانت الرحلة قبل تعبيد الطريق من جدة الى مكة حدثا جللا يهنأ الناس بعده على سلامة الوصول، اما اليوم ومع تعبيد الطريق اصبحت الرحلة بمثابة نزهة خلوية، ولقد يذهب بعض الناس ويجيئون بين جدة ومكة مرتين أو ثلاثا في اليوم الواحد.
"ما اعظم الفارق بين رحلتي هذه للحج والتي كانت قبل 14 عاما، لم يعد الطريق بين جدة ومكة مما يحسب حسابه، فالسيارة تقطعه اليوم في ساعة وربع".
وصف الكاتب مراحل الطريق التي يتوقف فيها الحجاج في كل مرحلة عند مقهى للتزود بالماء وشرب الشاي وتناول حاجتهم من الطعام وكان وصولنا الى اولى المحطات يشبه ان يكون عيدا، فلا يكاد ركاب السيارة يلمحون اضواء محطة التوقف حتى يضجوا بالتهليل والتكبير، وفي الوقت الذي تصل سيارة بركابها تكون سيارة قبلها قد اتمت رحلتها، واستأنفت سيرها الى مكة المكرمة، وركابها يضجون بالبشرى والتهليل.
عندما وصلت سيارة الرحالة الى - بحرة - وهي منتصف الطريق الى مكة المكرمة وهنا الفرح الاكبر، ها نحن قطعنا نصف المسافة الى هدفنا، وها نحن ندخلها وسط ترحيب اطفالها بالزوار وبعد استراحة قصيرة تستأنف السيارة رحلتها في ذات الجو الروحي الذي يزيده الاقتراب من مكة تأججا ولهيبا، ويروعك منظر القوافل المتصلة من الجمال، تحمل الحجاج في بطء وفي اطراد موسيقى والحجاج ينامون في الشقادف على ظهرها في هدوء وصمت.
ووصل أخيراً الى مكة المكرمة ولست بمستطيع ان اصور لك مشاعر المسلم اذ يدخل مكة، فإن وصفها شيء فوق الطاقة، او على الاقل طاقتي، ورحت اقول لنفسي بصوت عال: مكة، هذه مكة، انني الآن في حرمها، اجوس خلالها، مكة الخالدة، مدينة الامن والسلام، كعبة المسلمين في مشارق الدنيا ومغاربها، ام القرى، ومهبط الوحي ومبعث الهداية، انني في مكة حيث ولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وسار ودرج، والتي بدأت منها دعوته التي حولت مجرى التاريخ، واستيقظت من تأملاتي هاتفا: لبيك اللهم لبيك..
حته وثلة من الأدباء
قام الكاتب المصري محمد كامل حته برحلته هذه عام 1952م، في اخر حياة الملك عبدالعزيز آل سعود، ولم تتح له لقاء الملك، الذي أناب عنه في رعاية الحجيج ولي العهد الامير سعود، لكنه عاش جو نهضة المملكة العربية السعودية، والتي كرس لها العاهل الكبير حياته بعد توحيد اطرافها في كيان واحد، وتلقى الرحالة دعوة لاداء الحج وهو في القاهرة، نقلها له - بشر السعداوي - احد مستشاري الملك، وبدأ الرحالة يرتب معلوماته عن الحج وما يجب فيه من احكام، من مختلف المراجع.
كانت هذه هي المرة الاولى التي يستقل فيها الرحالة الطائرة ولم تخالط شعوري الدهشة التي تخالط من يقتحم تجربة جديدة مجهولة، منذ اصبحت الطائرة مركبا ذلولا، وارسى هذه الشعور في نفسي انني شهدت معي في الطائرة اخلاطا من الرجال والنساء والاطفال، كما اشهدهم كل يوم في قطار حلوان، وفي المركبات العامة في القاهرة، فليست الطائرة الا وسيلة نقل مألوفة: الا ان مجراها بين الارض والسماء. وبعد اربع ساعات من الطيران من القاهرة، هبطت الطائرة في مطار جدة.وانطلقت منها بالسيارة الى مكة كنت احس ان السيارة لا تنطلق بنا في طريقها من جدة الى مكة، ولكنها توغل في رحلة الى اعماق التاريخ، وانها لا تطوي الارض، وانما تطوي السنين والحقب والاجيال، حتى اذا لاحت لنا من بعيد اضواء مكة وجبالها الشاهقة، هتفنا من الاعماق: لبيك اللهم لبيك.
ودخل المسجد الحرام لاكمال العمرة" الله اكبر، هذه الكعبة يكتحل بمرآها ناظري، وتنتشي روحي، ويخبت قلبي، وتخشع جوارحي.. واجتذبتني موجة الطواف التي لا تهدأ ولا تفتر، فاذا بي ذرة متجردة، هائمة في ذلك الملأ الذي يضج بالتسبيح والدعاء.. وفي هذا المقام وحده يذل عصي الدمع فلا تملك الا النشيج.. وفي هذا المقام وحده لا تخجل من ان تعترف بذنوبك وآثامك، بل انك لتجد الراحة والسلام، وانت تذيب هذه الذنوب في دموع التوبة والندم.
وتتبع في طوافه المواقع كلها مما يتتبعه الطائفون، تأمل الكعبة، استلام الحج الاسود، وهو كما يرى رشيد رضا: الاثر الوحيد في بناء الكعبة الذي يمكن القطع بأنه من عهد ابراهيم عليه السلام، الصلاة عند مقام ابراهيم، الدعاء عند الملتزم، شرب ماء زمزم ورأيت كثيرا من الحجاج يأتون بقطع طويلة من القماش فيغمسونها في ماء زمزم. ثم ينشرونها على حصباء الحرم حتى تجف ليدخروها - كفنا - ليوم الوفاة.
وقفت اتأمل الكعبة قائمة في استارها السوداء، وقد غص المطاف بافواج الحجيج متدفقة هادرة، كلهم بلباس الاحرام، عراة الرؤوس، حفاة الاقدام، قد انمحت من بينهم الفوارق الاجتماعية، فلا غني يستعلي بغناه، ولا فقير يتواضع بفقره، ولا عظيم يتقدم به جاهه، ولا حقير تتخلف به حقارته، لا فرق بين اسود وابيض، ولا بين سيد ومسود، الكل في هذا المقام سواسية، اكفاء، عبودية خالصة لله وحده، ومساواة مطلقة بين الجميع، اي معنى انساني حققه الاسلام على هذه الصورة الرمزية الرائعة، والتي مازال العالم المتحضر في ارقى مؤسساته لا يبلغ ادنى مراتبها.
اجتمع هذا العام على صعيد عرفات حسب تقدير الرحالة 300 الف حاج، ونعى على المسلمين الا يستفيدوا "من هذا المؤتمر الاسلامي العظيم الذي يهرع اليه المسلمون من شتى الاقطار، ليشهدوا منافع لهم، لكنهم هنا لا يؤدون هذه الامانة العظمى، فيقف قادتهم على صعيد عرفات كما يقف غيرهم من عامة المسلمين، فأين هي المنافع التي جئنا لنشهدها؟
وعند النفرة من عرفات الى مزدلفة كان الرحالة معجبا بالنظام المحكم، والحركة الواعية التي يسيطر عليها رجال المرور وهذا الامير سعود ولي العهد السعودي، ووزير الصحة الامير عبدالله الفيصل يرقبان المواكب ويشرفان على الحجيج، ويبعثان في جهاز الحركة روح الثقة والامن والنظام، وانطلقنا نؤدي صلاة الفجر عند المشعر الحرام، ونجمع الحصى، وقد تجمعت قلوبنا ومشاعرنا عند معنى واحد رهيب، هو أن يجعلنا الله اهلا لمستقر هذه الرحمة.
وكان من ابرز ما قام به المؤلف بعد اداء مناسك الحج، الدخول الى جوف الكعبة المشرفة "صعدنا الى باب الكعبة، والذي امر بصنعه الملك عبدالعزيز آل سعود، بدلا من الباب الذي كان اهداه للكعبة السلطان العثماني مراد الثاني منذ 125 عاما، تقدمت الى الجدار الذي يقابل الباب، ووقفت تجاه علامتين، ازاءه اقيم الصلاة، حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكعبة من الداخل بهو مربع الاضلاع، مشطور من الزاوية الشمالية الى يمين الداخل، وبهذه الشطرة باب صغير يؤدي الى سلم يصل الى السطح، وتكسو جدرانها الداخلية استار من الحرير مطرز بآيات قرآنية".
خلال اقامة الكاتب بمكة اتيح للرحالة التعرف على بعض رجالات الادب السعودي، وفي مقدمهم شاعر الملك: أحمد ابراهيم الغزاوي، محمد سرور الصبان، فؤاد شاكر، عبدالله بلخير، ابراهيم فودة، احمد عبدالغفار عطار، عبدالقدوس الانصاري، محمد سعيد العامودي وقد ابلغني بشير السعداوي ان مناسك الحج بمعناها الاشمل الذي تتحقق به المنافع، لا تتم الا بزيادة الشيخ محمد نصيف، فإن مقامه بين اهل العلم والادب في العالم الاسلامي في الصدارة، وداره في جدة قبة الرواد من اهل العلم ورواده من جميع الامصار.
واستعرض دور شخصيات بارزة في الحياة الثقافية في الحجاز، في مقدمتهم:" الشيخ رحمة الله الهنديِ، والشيخ محمد علي زينل، واسرة السيد احمد افيض ابادي العالم الهندي واخوه - حسين - في الحجاز ويقتضي الانصاف ان اسجل ما ظفرت به معاهد العلوم الشرعية من رعاية، بعد ان حاربتها سلطات العهد السابق، وجاء العهد السعودي فمكن لها، حتى صار اليوم اشبه بجامعة تضم مختلف المعاهد العلمية والفنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.