تختل الظروف الأمنية فجأة فيضرب الطوق على النساء كأول إجراء احترازي، وتمنع الفتيات من الذهاب إلى الجامعة، ومن مزاولة العمل أو الخروج وحيدات بدافع الخوف عليهن، فالنساء والأطفال هم أكثر الفئات المعرضة للأعمال الانتقامية في مثل هذه الظروف. الخطف والاغتصاب، وحتى القتل، هي أكثر ما يتهدد النساء في المناطق التي تشهد أعمالاً عدائية وانعدام للأمن، عندها لن تجد من يتذكر الحاجات الأخرى النفسية والاجتماعية والاقتصادية، فالأولوية هنا تأتي للأمان الشخصي. وبعيداً ممّا تنسجه المخيلة الشعبية التي تتوثب في مثل هذه الظروف لتداول قصص مرعبة عن حوادث قتل وخطف واغتصاب للنساء، تجد في كل مدينة مشتعلة في سورية حكايات لنساء دفعن حياتهن، نساء خطفن، نساء اغتصبن، وأخريات فضلت عوائلهن الفرار من أتون العنف إلى مناطق أكثر أمناً. في دمشق مثلاً باتت السيارات الآتية من حمص تظهر بكثرة أخيراً في أرجاء المدينة ومع كل سيارة تحمل لوحة حمص هناك قصة لعائلة حمصية فضّلت الخروج من دوامة العنف الدائر هناك. مئات الأسر السورية فرت من هذه المناطق نحو أماكن أكثر استقراراً، ومنها عائلة منير المؤلفة من زوجته وابنته التي تدرس في كلية الطب بحمص وابنه 14 عاماً، العائلة وصلت منذ أسابيع إلى دمشق بعد أن أصبح البقاء في حمص مخاطرة كبيرة بالنسبة اليها. ويؤكد منير الذي يعمل صيدلاني، أن قراره الخروج من حمص كان حفاظاً على أسرته بعد أن ازدادت حوادث الاختطاف والاغتصاب، وان أسابيع مرت لم تتمكن فيها العائلة من مغادرة المنزل وفي المرات القليلة التي كان يضطر فيها لمغادرة المنزل كان يشعر بأنها قد تكون المرة الأخيرة التي يرى فيها أسرته. يقول: «توقفت زوجتي عن الخروج، وكذلك لم تطأ قدم ابنتي الجامعة منذ نحو شهرين، بالنسبة الي قد أكون قادراً على البقاء في حمص بمفردي، ولكن ما هو ذنب عائلتي التي أصبح المنزل بالنسبة اليها أشبه بالسجن؟». لقد انتزعت هذه العائلة من المكان الذي تعتبره الأكثر سلاماً وأماناً لها، لكنها مع ذلك تعتبر أكثر حظاً من عائلة الفتاة منيرة التي اختطفت من قريتها المحاذية لمدينة إدلب. ويروي أحد أقاربها: «كانت في طريقها إلى منزلها عائدة من عملها، في احد المعامل في إدلب، عندما توقفت سيارة بجانبها وألقي بها داخل السيارة التي انطلقت مسرعة». وقتها لم يعرف أحد من هم الذين اختطفوها، لكن يقال ان موقف أهل منيرة المناهض للنظام كان وراء اختطافها من قبل الشبيحة للضغط عليهم من أجل تغيير موقفهم، وعادت منيرة بعد أيام إلى عائلتها لكن أحدا لم يعرف ما حدث لها، وهي لم تغادر منزلها منذ عادت، كما يؤكد قريبها. حجاب للحماية مناطق أخرى شهدت تحولات مختلفة في طريقة تعاملها مع بناتها، فقد أقدم عدد من الأسر على تحجيب بناتها في أعمار صغيرة ورغماً عنهن، ربما لاعتقادهم بأن هذا قد يضفي عليهن هوية ما. ويقول عماد الذي يقيم في برزة قرب دمشق: «لم يجد خالي وسيلة أخرى غير تحجيب ابنته التي لا يزيد عمرها عن عشرة سنوات ولم تفلح جهودي من أجل ثنيه عن قراره». ويضيف: «لا تفهم الطفلة السبب في تحجيبها ولا تدرك تماما لماذا أُجبرت على ارتدائه. وتشير أرقام غير رسمية إلى أن أكثر من 60 طفلة قتلن منذ اندلاع الأحداث في سورية من بين 120 امرأة سورية قضين نحبهنّ، كما لا يمكن الحديث عن أعداد دقيقة للمعتقلات أو المختطفات أو المغتصبات أو المفقودات. وفي الواقع، لا يمكن الفصل بين ما تعانيه النساء السوريات في هذه الظروف من محاولات للإخضاع والترويع وبين سائر أشكال القهر الأخرى التي تطاول السوريين عموماً، لكن ما يخشى منه هو أن تفضي مرحلة التحول التي تعيشها سورية اليوم الى المزيد من سياسات العنف وانتهاك حقوق النساء التي لا يبدو أن هناك من يعطيها الاهتمام الكافي في ظل حال الانفلات الأمني التي تعيشها بعض المناطق في سورية.