الكتابة عمل انقلابي "هكذا قال نزار قباني مبكراً عندما أراد أن يجمع بعض كتاباته النثرية في كتاب تحت هذا العنوان عام 1975م بعد رحلة عمله الطويلة في الدبلوماسية, فقد عرف الرجل بين الناس شاعراً عذباً تخلو قصائده غالبا من الدبلوماسية وينثر أبيات شعره عارية هكذا دونما أغلفة أو خجل, فيقول في أحد مقاطع قصيدته التي سماها "تقرير سري جدا من قمعستان".. هل تعرفون من أنا؟ مواطن يسكن في دولة (قمعستان) وهذه الدولة ليست نكتة مصرية أو صورة منقولة عن كتب البديع والبيان، فأرض (قمعستان) جاء ذكرها في معجم البلدان ... وأن من أهم صادراتها حقائب جلدية مصنوعة من جسد الإنسان الله ... يا زمان. كان نزار يحدد في مقطع آخر من قصيدته تلك حدود دولته المسكونة بالقمع ويصف فضاءها الممتد من شواطئ النفط إلى شمال أفريقيا وينعت الحكم فيها بنزوات الاستبداد وتمنع أول بنود دستورها حتى غريزة الكلام عند الإنسان, ف «لله درك يا نزار» كم كنت انقلابياً في شعرك ونثرك, طعن قبلك العاشق المرهف مرة بمقتل سيدة حبك تلك النخلة البابلية الشقراء "بلقيس" فأعلنت ثورتك المدوية على الملأ وعلى العروبة كلها فقلت "أي أمة عربية تغتال أصوات البلابل؟". كان نزار يحدد في مقطع آخر من قصيدته تلك حدود دولته المسكونة بالقمع ويصف فضاءها الممتد من شواطئ النفط إلى شمال أفريقيا وينعت الحكم فيها بنزوات الاستبداد وتمنع أول بنود دستورها حتى غريزة الكلام عند الإنسان, ف «لله درك يا نزار» كم كنت انقلابياً في شعرك ونثرك, طعن قبلك العاشق المرهف مرة بمقتل سيدة حبك تلك النخلة البابلية الشقراء «بلقيس» السيد نزار .. إن جموع البلابل تقتل الآن وتطعن شعوب دولتك المقموعة في كل رجالها ونسائها وحتى أطفالها بيد أنك الآن هناك في البعيد تبعث رسائل من شعرك من تحت التراب لمن يسمع فقط, فبطاقات الموت توزع مجاناً في الشوارع وبين المآذن, فقد سال وريد الدم على غير موعد في مدينتك الدمشقية التي نغنيت بحقولها وتغزلت بنسائها فلم يعد للتفاح رائحة ولا لتلك العناقيد أفراح وحتى القطط الوادعة في المدينة لم تعد تلقى مكاناً للغفوة أو الراحة. مرة أخرى أعود إلى كتاب نزار ذي العنوان الانقلابي الذي قرأته مبكراً أيام مقاعد الدراسة فقد كانت جملة سطور كتابة محرضة على الكتابة بالحبر الناصع الذي يظهر هموم الناس ويصدح برأيهم دون خوف أو وجل , وأقول محرضة لان للأفواه أقفالا قسرية وعيون الوشاة ربما أكثر من عيون القراء لذلك يقول نزار لقارئ سطوره : أكتب لتحرك ساكناً أو دع قلمك فقط للتوقيع في دفاتر الدوام اليومي وأوراقك لفائف لسندويتشات فطورك الصباحي, فهكذا نزار كان مسكوناً بالتغيير والسير إلى الإمام ولو فوق الصخر ينشد الحرية ورائحتها في كل شيء ويُحمل أبياته وسطوره دائماً مضامين تواكب كل فكرة تنشد مراد الحرية والعلو فوق الطغيان والاستبداد متجرداً من حدود المكان والزمان إلى فضاء النفس وكرامتها الفطرية, فماذا لو كان نزاز بيننا يسمع لحون المحتجين وأصواتهم التي تستمد الصبر من الأمل وتحمل الزمان القادم تباشير الانتصار على القمع الذي تعوذ منه مبكراً كما في قصيدته "قمعستان" فماذا كان سيكتب نزار وصوت الرصاص يقلق هدوء شامه وليل دمشقه مبدداً خرير الماء في "بحرة " البيوت الشامية الجميلة مخالجاً صوت المآذن هناك , فهل يستنهض نزار رفاق الشعر والكتاب من مقبرته لينتصر لحرية شامه العريق وكرامة نسائه الحرائر ورجاله الأوفياء؟ أعتقد أن نزار قال في حياته ما يكفي ووجه من الرسائل ما تسمع من به صمم فقال : أقاتلُ القبحَ في شعري وفي أدبي حتى يفتّحَ نوّارٌ ... وقدّاحُ ما للعروبةِ تبدو مثلَ أرملةٍ؟ أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ؟ والشعرُ.. ماذا سيبقى من أصالتهِ؟ إذا تولاهُ نصَّابٌ ... ومدّاحُ؟ وكيفَ نكتبُ والأقفالُ في فمنا؟ وكلُّ ثانيةٍ يأتيك سفّاحُ؟ حملت شعري على ظهري فأتعبني ماذا من الشعرِ يبقى حينَ يرتاحُ. [email protected]