في وقت لا تزال الأزمة السياسية الناجمة عن الصراع بين أقطاب السلطة في العراق تراوح مكانها بين فشل وساطة ومباشرة أخرى، طغت المخاوف الأمنية على احتفالات عيد الميلاد، فألغت الكنائس قداديس منتصف الليل واتخذت قوات الأمن إجراءات حماية مكثفة تحسباً لاستهداف المصلين. وكان «ائتلاف دولة القانون» بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي أعلن أمس فشل الوساطة التي قام بها رئيس «التحالف الوطني» إبراهيم الجعفري لإيجاد تسوية لقضية مذكرة التوقيف بحق نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بتهمة «تمويل عمليات إرهابية»، بسبب ما قال إنها «شروط وضعتها (القائمة) العراقية» بزعامة أياد علاوي، على رغم تأكيد هذه الأخيرة أنها طالبت فقط بتفعيل اتفاقات أربيل التي أوصلت المالكي إلى منصبه وأدت إلى تشكيل الحكومة الحالية. وبعد هذا الإعلان، قرر رئيس البرلمان أسامة النجيفي زيارة إقليم كردستان في محاولة لدفع مبادرة رئيس الجمهورية جلال طالباني بالدعوة إلى عقد مؤتمر وطني موسع يضم كل الكتل والأحزاب المشاركة في العملية السياسية لإنهاء الأزمة. وتزامن ذلك مع إعلان مجلس القضاء الأعلى أن «الهيئة القضائية الخماسية المكلفة التحقيق في التهم الموجهة إلى الهاشمي قررت إعادة التحقيق»، كاشفاً أن التحقيق كان أجري من قبل قاض منفرد وصادقت عليه اللجنة. وحذّر الهاشمي في تصريحات أدلى بها من دار ضيافة خاصة بطالباني في شمال العراق من عودة الاقتتال الطائفي في البلاد بسبب الاتهامات «الخطيرة جداً» التي وجهت إليه، وأيضاً بسبب ما قال إنه محاولة المالكي «التخلص من معارضيه كي يبقى حكم العراق في قبضة رجل واحد وحزب واحد». وانتقد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر إثارة قضية الهاشمي في هذه الفترة، وقال إنها «قد تؤدي إلى أمور مضرة بالبلد ووحدته وأمنه»، معتبراً أنها «تزيد من العزلة التي يعيشها العراق وتؤدي إلى صيرورة الحكومة حكومة الحزب الواحد، وبالتالي تسلطها على جميع الرقاب». وفي ظل هذه الأجواء المحتدمة، احتفل المسيحيون العراقيون أمس بعيد الميلاد وسط إجراءات أمن مكثفة، لكنهم اضطروا إلى إلغاء قداديس منتصف الليل بسبب المخاوف من احتمال تعرض كنائسهم لهجمات إرهابية مثلما حصل في الماضي. وتحدث أسقف الكلدان في بغداد شليمون وردوني عن هجرة المسيحيين التي وصفها بأنها «مرض مؤذٍ جداً ومعد أيضاً»، وقال إن «المؤمنين المسيحيين لديهم مخاوف ككل العراقيين. هم يشعرون بأن السلام مفقود، وكذلك الأمن. لذا، يتوجهون إلى حيث يستطيعون العيش بسلام». وأضاف «لا نوافق على ذلك ولا نريدهم أن يغادروا، لكنهم يقولون لنا: إذا قررنا عدم الذهاب، فهل تضمنون لنا سلامتنا وعملنا ومستقبلنا؟». من جهة ثانية، رحبت طهران أمس ب «الانسحاب القسري» للقوات الأميركية من العراق و «الفشل المذل» للولايات المتحدة، وأبدت استعدادها لتعزيز العلاقات العسكرية والأمنية مع بغداد. وفي واشنطن، دعا نائب الرئيس الاميركي جو بايدن المسؤولين العراقيين الى «الحوار». وقالت الرئاسة الاميركية ان بايدن وجه هذا النداء في اتصالين هاتفيين مع المالكي ورئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، تمت خلالهما مناقشة «الوضع السياسي الراهن في العراق».