تجرى محاولات لإحياء «الاتحاد من أجل المتوسط» بعدما تلقى ضربة قوية خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، ما جعل غالبية المراقبين يُرجحون أنه لن ينهض بعدها. وتسعى عواصم أوروبية لعقد اجتماعات في مستوى كبار الموظفين في بروكسيل يومي 7 و8 الشهر المقبل لإخراج الاتحاد من غرفة العناية المركزة. وربطت اجتراح تلك الخطوة بموافقة العرب، خصوصاً السلطة الفلسطينية، على إرسال وفد للجلوس إلى جانب الإسرائيليين. وأنشئ الاتحاد في باريس في أواسط تموز (يوليو) الماضي في حضور زعماء البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ونظرائهم في الضفّتين الجنوبية والغربية للمتوسط. وأفيد بأن دولتين عربيتين في الأقل أبلغتا مفوضة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي النمسوية بنيتا فريرو فالدنر أنهما لن تقبلا بجلوس ممثليهما إلى جانب مسؤولين اسرائيليين بعد الذي حدث في غزة. ولم تكشف المصادر الأوروبية عن اسم الدولتين. وبالنظر الى حرص الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على تحريك قطار الاتحاد الذي اعتبره نجاحاً شخصياً له لدى انطلاقه، أرسلت باريس موفدين إلى القاهرة التي تشاركها رئاسة الاتحاد، لإقناع المصريين ببذل جهود لدى العواصم العربية من أجل كسر الجليد الحالي. وفي معلومات مصادر فرنسية أن القاهرة طلبت التريث إلى ما بعد تكريس مصالحة عربية في قمة الدوحة للبحث في شروط إعادة المسار المتوسطي إلى السكة. إلا أن الأوساط الأوروبية غير متفائلة بفرص إحياء المشروع في ظل صعود حكومة يمينية متشددة في اسرائيل. والظاهر أن المحور الذي أبصر تقدماً نسبياً هو مشروع الطرق البحرية بعدما اتفق الإسبان والفرنسيون على تحويل نسبة تُراوح بين 5 و10 في المئة من حركة الشاحنات من الطرق البرية إلى المسالك البحرية بين ميناءي سان نازار الفرنسي وخيخون الإسباني للتقليل من مصادر التلوث. وتعهدت باريس ومدريد تمويل المشروع ب30 مليون يورو على مدى السنوات السبع المقبلة لتأمين نقل 100 ألف شاحنة في السنة عبر البحر. ويعكف الإسبان والفرنسيون بالتعاون مع الإيطاليين والمالطيين على البحث في توسيع المشروع لاحقاً ليشمل بلدان الحوض الغربي للمتوسط من خلال تمويل تحديث موانئ في بلدان الضفة الجنوبية لاستقبال البواخر الكبيرة. لكن هذا المشروع سيبقى مُقتصراً على بلدين فقط من الضفة الشمالية في الأمد المنظور وهو لا يرتدي طابعاً اقليمياً. أما المحور الآخر الذي يشتغل عليه الفرنسيون فهو محاولة ربط الجامعات المتوسطية في الضفتين بشبكة أكاديمية موحدة، غير أن المشروع يحتاج إلى تمويلات ضخمة لا يبدو أن الاتحاد الأوروبي مستعد لصرفها في ظل الأزمة الاقتصادية. وإن وجد فإن اعتراضات الشماليين ستُعطل اندفاع الأوروبيين الجنوبيين. والثابت أن المشاريع ستظل عالقة طالما لم تُحل العقدة السياسية المتصلة بمسار الصراع العربي - الإسرائيلي، أي النقطة التي انتكس عندها مسار برشلونة. ويمكن القول إن الحرج الذي شعرت به مصر جراء المواقف الأوروبية المنحازة للدولة العبرية أثناء حرب غزة، والتي حملتها على تعليق الاجتماعات المتوسطية بالنظر لاستحالة عقد لقاءات بمشاركة وفود إسرائيلية، مازال قائماً في الجوهر. وزادت من تعميقه المواقف المُشككة بمستقبل هذا الإطار الفضفاض غير المتجانس، الذي يضم 43 بلداً من السويد إلى الأردن ومن جمهورية الجبل الأسود إلى موريتانيا. ويختلف موقف البلدان الأوروبية المتوسطية عن شريكاتها الشمالية من مستقبل بناء اتحاد إقليمي في الجنوب، فإيطاليا ومالطا واسبانيا واليونان وفرنسا تبدو أكثر تفكيراً في المصير المشترك الذي يؤثر مباشرة في تعاطيها مع ملفات جوهرية مثل احتواء الهجرة وتحسين البيئة وتطوير التعاون في مجال الطاقة وتركيز شبكة جامعات مندمجة وفي هذا الإطار رأى وزير خارجية مالطا طونيو بورغ ضرورة منح فُرصة للاتحاد المتوسطي، بصفته ينبني على هندسة مختلفة عن هندسة مسار برشلونة، مُستدِلاًّ على ذلك بكون العرب مشاركين في صُنع القرار من الداخل، من خلال تمثيلهم في الأمانة العامة. غير أن رئيس الوزراء الجزائري الأسبق سيد أحمد غزالي ربط نجاح الاتحاد بشرطين أساسيين هما إنعاش الاتحاد المغاربي وتسوية الصِّراع العربي - الإسرائيلي. والأرجح أن البحث عن آليات لتنشيط الاتحاد لم يدر في خلد الزعماء الأوروبيين الذين اجتمعوا في بروكسيل أخيراً لدرس وسائل مجابهة الأزمة الاقتصادية استعداداً لقمة العشرين المقررة الثاني من نيسان (أبريل) المقبل في لندن. * صحافي من أسرة «الحياة»