بعد أن طوى الناس صفحة طوابع البريد وصناديقه منذ أكثر من عقد، وانتهت متاعبهم معها من طريق الهواتف المحمولة والبريد الإلكتروني، ظن أولئك «المأبنون» لأيام البريد، أن زمنه ولى بغير رجعة، عاد إليهم ليعلن عن نفسه كمحور رئيس ونقطة اتصال في التعاملات الحكومية وفي التجارة الإلكترونية. وكشف مسؤول في البريد السعودي (فضل عدم ذكر اسمه) ل «الحياة» أنه تم الانتهاء من غالبية مشاريع البريد لتأسيس البنية التحية للوصول إلى القيام بدوره الجديد بشكل أسرع من طريق مشروع «واصل»، الذي عده من المشاريع الخدمية الإستراتيجية على مستوى المملكة، و«عنواناً وطنياً» لجميع المباني والمنشآت في البلاد، إذ يهدف إلى أن يكون «لكل إنسان عنوان». وأضاف: «إن مؤسسة البريد أطلقت «المحدد السعودي»، وهو أحد الحلول المبتكرة لحل مشكلة تحديد المواقع في المملكة، التي تعتبر حجر عثرة أمام الحلول المختلفة للحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية، وتسهل هذه الخدمة للقطاعات الحكومية والأهلية الوصول إلى المواقع كافة لإيصال الخدمات أو السلع لعملائها، ويتضمن المحدد السعودي ثلاثة أنواع، هي المحدد السعودي على الإنترنت، والمحدد الملاحي، والمحدد السعودي على الإنترنت للأجهزة الكفية، وهي أنظمة خرائط جغرافية إلكترونية تسهل التعرف على العناوين البريدية بيسر وسهولة، وتحديد المعالم الرئيسة في المدن، كالمصالح العامة والمؤسسات والمكاتب التجارية والأسواق والبنوك والأندية والمستشفيات والمستوصفات والمدارس والمساجد». وأشار إلى أنه تم البدء في تقديم خدمة البحث عن العناوين البريدية من طريق محرك البحث «Google» بعد توقيع اتفاق مع شركته، إذ يهدف هذا الاتفاق إلى استخدام العنوان البريدي السعودي الرقمي على أنظمة «Google» الجغرافية، في ظل تميز العنوان البريدي «واصل» بالدقة في تحديد المواقع السكنية والتجارية، حيث تم تحديد عنوان لكل متر مربع في جميع أنحاء المملكة، وتطبيقه تقنياً على الأنظمة الجغرافية. وتابع: «يتيح هذا الاتفاق تطبيق العنوان البريدي على أجهزة الهواتف المتنقلة كافة والمركبات المزودة بأنظمة ملاحة، إضافةً إلى إتاحته للمستفيدين منها عبر أجهزة الحاسب الآلي والمواقع الإلكترونية، ما يمكن المواطنين والمقيمين في المملكة، أو حتى لجميع الراغبين من جميع أنحاء العالم، الاستدلال على عناوين المنشآت السكنية والتجارية كافة في المملكة». ومع هذا تبقى هناك انتقادات كبيرة ومستمرة لخدمة البريد في السعودية، إذ يرى محمد خاتم أن مشكلة البريد السعودي «هي في بقائه كمؤسسة حكومية، و بالتالي فهو غير قادر على منافسة شركات النقل السريع الخاصة». ويضيف الطالب الجامعي حامد عيضه أنه على رغم أن البريد السعودي يحاول أن يطور خدماته، لكن الأمر أصبح متأخراً، خصوصاً مع التطور المذهل في الاتصالات والذي حجم دور البريد التقليدي عموماً. ويرى رجل الأعمال سليمان عاتق أن البريد يحتاج من أجل الوصول إلى مستوى متقدم إلى التخطيط والتنظيم والتنفيذ، مقترحاً تحويله إلى شركة مساهمة تملك الحكومة فيها الأغلبية مع إبقاء طباعة الطوابع والإشراف على المشغلين كمهام لهيئة البريد السعودي. ويضيف: «كوني تاجراً ولي موقع على الإنترنت، أحتاج كثيراً لشركات شحنٍ داخلي وخارجي، جربت البريد السعودي في الشحن الخارجي وكان الأقل سعراً، لكن الطرد الذي يصل خلال ثلاثة أيام، بالبريد يصل خلال ثلاثة أسابيع، وأنا أقصد البريد الممتاز الذي ليس له من الامتياز إلا اسمه». ويقول وليد العتيبي الموظف الحكومي: أعتقد أن وجود البريد مثل عدمه متأخر جداً، أما عن توفيره في المنازل فهو أمر معمول به في كل دول العالم، فالرسالة أو تجديد الجواز والبطاقة تصلك إلى منزلك من دون أي عناء. ويضيف: «لا ينقص البريد شيء، لكن سوء التخطيط والتنفيذ، وفروعه القليلة جداً وحتى خدماته التي لا ترتقي بالجدية، تجعل من خدماته المقدمة ضعيفة الجودة». ويتركز الدور الأكبر الذي يقوم به البريد السعودي للمواطنين والمقيمين في المملكة حالياً في تبادل إرسال الطرود والمشتريات داخل البلاد وخارجها، أو في مجال البريد الدعائي، وكل ما يندرج تحت التجارة ويخدم الحكومة الإلكترونية، وغالبية الرسائل التي ينقلها البريد هي موجهة من العمالة الأجنبية إلى ذويها في الخارج، مستفيدةً من زهادة كلفة إرسالها، مقابل الثمن الباهظ للتواصل من طريق الهاتف أو الإنترنت.