موسكو - أ ف ب - حذر الرئيس الروسي دميتري مدفيديف أمس، من أن «متطرفين» يسعون لإثارة عدم الاستقرار في روسيا عبر موجة الاحتجاجات التي هزت الكرملين بعد انتخابات برلمانية متنازع عليها. وتعهد مدفيديف في خطابه السنوي الأخير إلى الأمة قبل التسليم المتوقع للسلطة إلى فلاديمير بوتين العام المقبل، بأن روسيا لن تسمح للغرب بالتدخل في أكبر احتجاجات تشهدها منذ سنوات. ولكن سعياً من جانبه للإقرار بأن المزاج تغير في البلاد بعد 12 سنة من هيمنة بوتين، اقترح مدفيديف مجموعة من الإصلاحات السياسية بينها العودة إلى الانتخابات المباشرة لحكام المناطق. وقال بوتين قبل يومين من احتجاج جديد للمعارضة في موسكو يتوقع أن يحشد عشرات الآلاف أن «محاولات التلاعب بالمواطنين الروس وإيقاعهم في الخطأ وتأجيج الصراعات الاجتماعية غير مقبول». وتابع: «لن نسمح لمثيري الاضطرابات والمتطرفين بتوريط المجتمع في مغامراتهم»، مضيفاً: «ولن نتسامح أيضاً إزاء التدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية». وقال مدفيديف إن «روسيا تحتاج إلى الديموقراطية وليس إلى الفوضى. يجب أن يكون هناك ثقة بالمستقبل وإيمان بالنزاهة». ويأتي الخطاب السنوي لمدفيديف أمام اجتماع غرفتي البرلمان بعد الانتخابات الاشتراعية التي أجريت في الرابع من الشهر الجاري وعكست انخفاضا حادا لم يكن متوقعا في الدعم للحزب الحاكم وتبعتها احتجاجات حاشدة بناء على اتهامات بتزوير الانتخابات. وخرج عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع بعد أسبوع من الاقتراع احتجاجاً على سير الانتخابات ونتائجها، فيما تعهد قرابة 40 ألف شخص على ال «فايسبوك» بالمشاركة في احتجاج جديد في موسكو السبت. غير أن معهد استطلاعات توقع أمس، مشاركة ما بين مئة إلى مئتي شخص في تظاهرة السبت. وكتبت ايلينا كونيفا مديرة شركة «كومكون» المتخصصة في دراسة أنماط الحياة وعادات الاستهلاك في صحيفة «فيدوموستي» أن «ستة في المئة من سكان موسكو، أي نصف مليون شخص أعلنوا نيتهم المشاركة في التظاهرة وثمانية في المئة مترددين وهذه الأرقام تدل على الأجواء السياسية واحتياطي المتظاهرين». وأضافت استناداً إلى استطلاع أجري بين 13 و19 الجاري: «يجب قسم هذا العدد على اثنين على الأقل وبالتالي سيتظاهر ما بين مئة إلى مئتي شخص». وعبر الرئيس عن دعمه للتظاهر طالما كان في إطار القانون. وقال: «نتفهم الانتقاد ونقبل الانتقاد باحترام. حق الناس في التعبير عن مواقفهم بكافة الوسائل القانونية مكفول». وأضاف: «كون المجتمع يتغير والمواطنون ينشطون أكثر في التعبير عن مواقفهم ومطالبة السلطات بالمزيد إنما هو بادرة حسنة، وتوجه حسن فيه نفع بلادنا». وفي ما بدا نزولاً عند مطالب المحتجين بالمزيد من الديموقراطية في روسيا، اقترح إصلاحاً كبيراً في النظام السياسي الروسي. وقال مدفيديف: «اقترح إصلاحاً شاملاً لنظامنا السياسي»، داعياً إلى العودة إلى الانتخابات المباشرة لحكام المناطق التي كان فلاديمير بوتين ألغاها عندما كان رئيساً في عام 2004. وأضاف: «أود القول إنني أصغي لمن يتحدثون عن ضرورة إدخال تغييرات سياسية، وأتفهمهم. علينا أن نمنح كافة المواطنين النشطاء الحق القانوني في الانخراط في الحياة السياسية». وهذا الخطاب الأخير لمدفيديف أمام الجمعية الفيديرالية يأتي قبل تركه الرئاسة لبوتين على الأرجح على أن يتولى مدفيديف رئاسة الوزراء بعد الانتخابات التي تجرى في آذار (مارس) المقبل. وأثار هذا الترتيب غضب المعارضة لأنه تم تحضيره خلف أبواب مغلقة. ويأتي اقتراح مدفيديف العودة إلى نظام الانتخاب المباشر لحكام المناطق ليعالج إحدى أكبر النقائص الديموقراطية في روسيا. فبمقتضى النظام الراهن يختار الكرملين حكاماً جدداً من قائمة مصغرة يطرحها الحزب الحاكم، ويقر المجلس المحلي (برلمان المنطقة) التعيين لا محالة. كما اقترح مدفيديف خفض عدد التوقيعات المطلوبة لقبول الترشح لانتخابات الرئاسة من العدد المطلوب حالياً وهو مليونا توقيع إلى 300 ألف توقيع للمرشحين من الأحزاب البرلمانية و100 ألف لغير الممثلين في البرلمان. كما قال إنه يتعين تبسيط قواعد تسجيل الأحزاب حتى يمكن قبول تسجيل حزب بناء على طلب من 500 شخص من نصف المناطق الروسية على الأقل. كما قال إن على روسيا تأسيس قناة «تلفزيونية عامة» لا تسيطر عليها لا الدولة ولا ملكية خاصة. وقال مدفيديف الذي يرسم صورة لنفسه باعتباره بطل تحديث الاقتصاد الروسي، انه يتعين على روسيا زيادة قدرتها التنافسية إذ أن ركوداً اقتصادياً عالمياً يمكن أن يستمر سنوات عدة. وقال: «إننا نواجه حقاً أوقاتاً صعبة، فالركود الاقتصادي العالمي يمكن أن يستمر سنوات عدة، بينما يشتد التنافس على العقول والأفكار والموارد ونحن في قلب هذا المعترك».