تشكك قيادات مارونية شاركت في اللقاء الموسع الذي رعاه أخيراً البطريرك الماروني بشارة الراعي وخصص للبحث في أي قانون انتخاب يريده الموارنة في لبنان، في قدرة لجنة المتابعة المنبثقة منه في تسويق مشروع اللقاء الأرثوذكسي الذي ينص على أن تنتخب كل طائفة نوابها على رغم ان المجتمعين اعتبروه منطلقاً للوصول الى صيغة صالحة لتحقيق التمثيل العادل والفاعل لكل الفئات ولترسيخ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين التي تكرس صيغة العيش المشترك. وتنفي هذه القيادات في مجالسها الخاصة ان يكون للانطلاق من المشروع الأرثوذكسي لتحقيق التمثيل العادل علاقة مباشرة بأوضاع المسيحيين في المنطقة العربية وخصوصاً في العراق ومصر، أو لاستباق الحراك العربي في عدد من الدول، وتؤكد ل «الحياة» ان للترويج لهذا المشروع أسبابه الداخلية المعزولة عن تسارع الأحداث في المنطقة وهي تمت بصلة مباشرة الى المنافسة على طرح المشاريع الانتخابية التي تحمي الصوت المسيحي لتأمين أفضل تمثيل للمسيحيين في البرلمان. ومع ان بعض القيادات المارونية تستبعد أن يكون لانحياز فريق ماروني الى المشروع الأرثوذكسي صلة وثيقة بالمزايدات الانتخابية في داخل الطوائف المسيحية أو في هذه الطائفة أو تلك، فإن مصادر مارونية رفيعة رأت في هذا المشروع محاولة لاختبار موقف الشريك المسلم من قانون الانتخاب الجديد وبالتالي للوقوف على رأيه من المتغيرات الجارية في المنطقة. ولفتت المصادر نفسها الى ان تبني المشروع الأرثوذكسي سيبقى في إطار المنافسة المارونية-المارونية ولن يكتب له النجاح. وقالت ان تأييد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والنائب الكتائبي سامي الجميل للمشروع يأتي في سياق المزايدة على رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الذي لم يحرك ساكناً في الاجتماع لجهة ابداء رأيه الصريح فيه، مع انه لا يترك مناسبة إلا ويدافع فيها عن ضرورة الحفاظ على صحة التمثيل المسيحي، ويتصرف وكأن خصومه في الشارع المسيحي ملحقون بتيار «المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وسألت المصادر عينها عن الأسباب الكامنة وراء تراجع معظم القيادات المارونية عن تبنيها لاعتماد النظام النسبي في قانون الانتخاب، وعدم حماسة البطريرك الراعي في الدفاع عنه وتريث رئيس الجمهورية ميشال سليمان في ابداء رأيه في المشروع الأرثوذكسي، مع انه يشكل في مجلس الوزراء رأس حربة في الدفاع عن النسبية ويصر على اعتمادها في المبدأ حتى لو لم يتم الاتفاق على تقسيم الدوائر الانتخابية. واعتبرت المصادر أن تبنّي المشروع الأرثوذكسي، مع أن لا حظوظ في تسويقه، يعني ان رئيس الجمهورية سيفتقد الى فرصة تسمح له بأن تكون لديه بصمات اصلاحية على قانون الانتخاب من خلال اعتماد النظام النسبي. رفض المشروع سيأتي ... من عون ولا تجد هذه المصادر ما تقوله ازاء اعتراض البعض عليه، بدءاً برئيس الحكومة السابق سليم الحص وآخرين والنظر الى هذا المشروع على أنه يعود بالبلد الى الوراء ويحول البرلمان الى مجلس ملي لن يدافع عنه أحد، خصوصاً أنه يفتقد الى مبرر وجوده طالما ان استكمال تطبيق اتفاق الطائف في خصوص استحداث مجلس شيوخ يمكن ان يكون البديل من ترك الحرية لكل طائفة في انتخاب نوابها بصرف النظر عن حجم الدوائر الانتخابية. وتراهن المصادر على أن رفض المشروع سيأتي عاجلاً أو آجلاً من عون الذي لن يكون في وسعه السكوت، لحرصه على مراعاة حلفائه وتحديداً «حزب الله» وحليف الأخير رئيس المجلس النيابي نبيه بري، باعتبارهما يؤيدان قانون الانتخاب الرامي الى جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس اعتماد النسبية. وهذا ما يفسر قوله في الاجتماع الموسع بأنه لن يحدد موقفه من المشروع قبل العودة الى حلفائه. وتعتقد المصادر بأن الحل سيكون في اعادة الاعتبار لقانون انتخاب عام 1960، وتعزو السبب الى ان مصير المشروع الأرثوذكسي لن يكون أحسن حالاً من القانون النسبي الذي سيسقط في البرلمان حتى لو وافق عليه مجلس الوزراء الذي لم يتمكن حتى الساعة من حسم أمره على رغم ان مشروع وزير الداخلية والبلديات مروان شربل نوقش في أكثر من جلسة من دون أن يحقق أي تقدم بسبب اصرار وزراء «جبهة النضال الوطني» برئاسة وليد جنبلاط على رفضه، ليس لأسباب اصلاحية، انما لاعتقادهم بأن اللحظة السياسية الراهنة ليست مواتية للتصويت عليه ولأن بعض من يصر على النسبية يظن أنها الطريق لإلغاء المعارضة أو تقليص حضورها في البرلمان. لذلك يمكن القول ان المشروع الأرثوذكسي يفتقر للأوكسيجين السياسي الذي يبقيه على قيد الحياة، وان اخراجه من المزايدة بين القيادات المارونية سيؤدي الى دفنه، والا ما معنى موافقة بعض القيادات على مشروع يتعارض وقناعاتها، وان كانت تحاول من خلال الدفاع الموقت عنه أن ترفع من «ثمنها» في تحالفاتها الانتخابية عام 2013، هذا في حال كانت الظروف السياسية مواتية لإجراء الانتخابات في موعدها... ولعل زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية أحسن الخيار في تحديد موقفه في الاجتماع الموسع، عندما ربط موافقته عليه بشرطين أساسيين: حماية السلم الأهلي والحفاظ على العيش المشترك، اضافة الى أنه لن يتفرد في تحديد موقفه النهائي من المشروع قبل العودة الى التشاور مع حلفائه. وهناك من يعتقد بأن فرنجية في عدم تسرعه أراد أن لا ينخرط في المزايدات المارونية، أو أن يدخل طرفاً في اثارة الغبار الانتخابي الذي يمكن أن يحجب الرؤية السياسية لبعض الوقت وليس لكله. وعليه من الملاحظ ان تيار «المستقبل» اتخذ لنفسه صفة المراقب ولن يكون طرفاً في النقاش وسيكون له رأيه في قانون الانتخاب في الوقت المناسب، وبالتالي لن يقول «لا» أو «نعم» في المشروع الأرثوذكسي حتى لا يستغل موقفه من بعض خصومه في الشارع المسيحي وتقديمه وكأنه ضد المعادلة الانتخابية التي يراد منها انتاج تمثيل حقيقي للمسيحيين في البرلمان. كما ان التحالف الشيعي سيبقى على تريثه ولن يحدد موقفه سلباً أو ايجاباً، خصوصاً ان الذين لا يتحمسون لهذا المشروع يبنون موقفهم على أساس أنه طبخة بحص. إلا أن الصمت الإسلامي سيضع عون من وجهة نظر خصومه في الشارع المسيحي أمام تحديد موقف منه، لأنه لا يستطيع أن يتذرع الى ما لا نهاية بأنه مازال يتشاور مع حلفائه. فتح الباب أمام التطرف وترى مصادر مواكبة لأجواء لقاء بكركي، ان المشروع الأرثوذكسي يفتح الباب أمام التطرف بدلاً من البحث عن قانون في ظل المتغيرات في المنطقة العربية، يبدد المخاوف ويستوعب الاحتقان باعتماد الاعتدال في الخطاب السياسي لأن المرشح عندها سيأخذ بعين الاعتبار التوجه الى الناخبين بمواقف تسودها المرونة والانفتاح بعيداً من التشدد... كما ان هذا المشروع من وجهة نظر المصادر المواكبة يفتح الباب أمام قيام جهات متشددة في الشارع الإسلامي تطرح أفكاراً من شأنها أن تؤثر سلباً على الاعتدال والعيش المشترك ما يضع البلد أمام مرحلة سياسية جديدة تقترب من مشروع كونفدرالية الطوائف. باعتبار ان جميع المشاريع الانتخابية الذاتية لن تكون لمصلحة التمسك بالعيش المشترك، حتى لو تم تغليفها بتحقيق المساواة والمناصفة، وكأن هناك من يريد اطاحة هذه المعادلة في البرلمان. وفي هذا السياق تتوقع المصادر المواكبة ان يسحب المشروع الأرثوذكسي من التداول لمصلحة الدخول في بحث جدي حول أي قانون انتخاب يحمي لبنان من الانعكاسات السلبية للتطورات المتسارعة في المنطقة على لبنان، لا سيما ان الانكفاء الانتخابي لا يشجع على لملمة الوضع في اتجاه بقاء البلد ممسوكاً ومتماسكاً.