تحرص غالبية التلفزيونات العربية على تخصيص فقرة للرياضة المنزلية؛ أي تلك الفقرات التي يبدو ظاهرياً أنها تحاول تحريض المشاهد على ممارسة الرياضة، بنفسه، في المنزل أو الجوار، والقيام بعدد من التمارين الشهيرة ب «التمارين السويدية»، سواء كان هذا سعياً لنيل قسطاً من اللياقة والرشاقة، وبالتالي التخلّص من الوزن الزائد، الذي يكاد يُعتبر سمة عامة لمشاهدي التلفزيون!... أو كان ذلك في سبيل انتشال المُشاهد من حالة الكسل والخمول، الجسدي والعقلي، تلك التي يعزِّزها التلفزيون بالمشاهدة المُستمرة، إذ تتمثّل غاية التلفزيون، في واحدة من مراميه، بأن يقوم بتثبيت المُشاهد أمام الشاشة، أطول وقت ممكن. تتشابه الفقرات الرياضية هذه، وتكاد لا تختلف، من شاشة عربية إلى أخرى. فتاة (غالباً)، تقوم بممارسة بعض التمارين، محاولة إبراز ملامح الليونة والرشاقة في جسدها. تتثنى يمنة ويسرة، إلى الأمام والخلف، دون أن تنسى العدّ اللازم لاستكمال التمرين، الذي غالباً ما عرفه المشاهدون منذ أيام المدرسة، عندما كانت دروس الرياضة فسحة نافلة، همّها التخلّص من ثقل دروس اللغة والحساب، وليس تأسيس الوعي بالرياضة؛ أهميتها، وفوائدها، وضرورتها. كأنما التلفزيون هنا، يستكمل ما كانت تقوم به المدرسة، من حيث النظر إلى فقرة الرياضة المنزلية، باعتبارها فسحة نافلة، استراحة بثّ، بين فقرتين، لا يبدو أن غايتها انتشال المشاهد من كرسيّه، ودفعه لممارسة أيّ من هذه التمارين. الطريقة المُحايدة، أو الباردة، الديكور، وطريقة المونتاج البليدة، التي تُقدِّم من خلالها هذه الفقرة، تُوحي بذلك. وفي اليقين أن لا أحد من المشاهدين سوف يكلِّف نفسه عناء النهوض من مكانه، وتقليد تنفيذ التمرين، بالشكل الذي تقدّمه الشاشة. مضى زمن، كان البرنامج اللبناني الشهير «ما إلك إلا هيفا»، يحظى بمشاهدة ما. ولكن من المؤكد أن «هيفا»، تلك، التي استطاعت استقطاب جمهور ما، لم تدفع غالبية جمهورها للنهوض من أمام الشاشة، وممارسة الرياضة، فعلى الشاشة ذاتها، كما على غيرها من الشاشات، سوف تتوالى النداءات للاستمرار بالمشاهدة، واللقاء بعد الفاصل. «خلّيك بالبيت»، عنوان برنامج، هو أقرب إلى شعار شاشة التلفزيون!.. و«أوعا تروحو بعيد»، يردّد المذيع؛ المتين الجسد، قبيل الخروج إلى فاصل إعلاني، مُحذِّراً المشاهدين من التحرّك، جسدياً، أو افتراضياً، عبر جهاز التحكّم. وفي كل الحالات، لا تشتغل الشاشات التلفزيونية العربية على فكرة أن للمُشاهدة وقتاً، وللرياضة وقتها. بل إن فقرة الرياضة ذاتها، وكما يتمّ تقديمها، لا تعدو أن تكون جزءاً من المُشاهدة، لا جزءاً من الرياضة. ربما نبدو اقرب إلى المبالغة، إذا ما طالبنا بأن تتولّى فقرة الرياضة، في التلفزيون العربي، التأسيس لوعي حقيقي بالرياضة، وأهميتها، ودورها، وفوائدها.. وبالتالي دفع المشاهد إلى التحرّك من مكانه، وممارسة تمارينها!.. ولكن أين نذهب بهذه الفقرات المحدودة، في فيض الانتشار المذهل لبرامج الطبخ، وفنونه، تلك التي لا همّ لها سوى «تسمين المشاهد»، وكذلك في فيض الإعلانات التي لا تكفّ عن إيهام المشاهد، ووعده، بإمكانية الحصول على الرشاقة، من خلال ابتلاع «حبة»، أو تناول كأس «شراب».