مع نهاية كل عام، وحلول عيدي الميلاد ورأس السنة، تبدو خريطة البرامج على الشاشات اللبنانية واحدة، تقريباً: إما برامج مكرّسة للمنجمين والمبصرين والفلكيين والمحللين أو أي إسم آخر يشاءه لنفسه كل من يدّعي قراءة الغيب. وإما برامج تمدّ يد العون للمحتاجين، وتزرع الضحكة في نفوس المعوزين... ولعل القاسم المشترك بين هذين النوعين من الفقرات، إضافة الى توقيتهما الواحد، هو قدرتهما على اختراق البرامج كافة، وقلب المعادلة التلفزيونية رأساً على عقب. بمعنى انهما قادران على اجتذاب البرنامج الاجتماعي مثل البرنامج السياسي أو البرنامج الغنائي. فلا يعود غريباً، مثلاً، ان نرى برنامجاً سياسياً وقد تحوّل الى تحقيق الأمنيات، لا أمنيات السياسيين غير القابلة للتحقيق أصلاً، ولكن أمنيات البسطاء والمرضى... أو ان يشرّع برنامج غنائي أبوابه لقارئي الأبراج ومدّعي فك رموز ما سيأتي. وعلى رغم الفجوة الكبيرة بين برامج الغيب وبرامج المساعدات، يبدو الخط واحداً: إشباع رغبة الإنسان في تطلعه الى المستقبل. صحيح ان هذا الهدف قد يبدو أكثر التصاقاً ببرامج الغيب منه بالبرامج الأخرى وقد تحوّلت الى مؤسسة خيرية. وصحيح ان النيات الحسنة تقف وراء مقدمي برامج كثر آثروا ان يحدثوا فرقاً في العيد من خلال تقديم المساعدة على طريقتهم... ولكن، لا يمكن المتلقي إلا ان يتذكر انها حلقات طارئة، قد تكون في أحيان كثيرة، مغلّفة بحسابات ربحية تتماشى والجوّ العام للمشاهدة، بمعنى انها تستهدف مشاهداً تكون كل حواسه متأهبة لالتقاط كل ما هو خيّر في الأعياد. بالتالي قد يقول علم النفس ان هذه البرامج، وعلى رغم شكلها الخارجي الجميل، لا تبتعد من اهداف التلفزيون الربحية بعد دراسة نفسية المتلقي. على النقيض تماماً من هذا الهدف، يأتي برنامج الإعلامية ماغي عون المميز «نحن لبعض» الذي تقدمه شاشة «ال بي سي» التي لا بد من أن نحييها. فهذا البرنامج ليس طارئاً على خريطة البرامج، كما حال غالبية البرامج الإنسانية التي تزخر بها شاشاتنا خلال هذه الفترة، إنما يقارب عمره السنوات الأربع... والغريب انه، وعلى رغم تقديمه نموذجاً صادقاً للبرامج الإنسانية التي تضع بحق نصب عينيها هدفاً وحيداً هو تقديم المساعدة، سواء كانت مادية أو معنوية، يكاد ان ينساه المشاهد لولا حلقات الأعياد التي تذكّرنا بأن الشاشات اللبنانية بألف خير، طالما ان خريطتها تشمل برامج إنسانية من هذا النوع، تشي بأن على الشاشات ما يستحق التقدير، وعلى الأرض ما يستحق الحياة.