الإثنين 12/12/2011: الحب الوطني تسيرين غرباً. أسير شرقاً. واللقاء مفاجأة لن تتحقق. كل شيء يتعولم إلاّ الحب. تنكفئ العواطف خلف تنهيدة المولود الأولى، خلف مناغاته. تنكفئ تحت الجلد. يتبدل مزاج الملمس فلا يستجيب إلاّ للقوم. ليس الرجل عالمياً ولا المرأة، والحب صار وطنياً، محلياً، مملاً. هذا الاستثنائي حبنا، لن يستعاد. الثلثاء 13/12/2011: قراءة سورية سورية اللغز. تسأل عنها اللبنانيين الذين حكمتهم أكثر من ثلاثين سنة فلا يعرفونها، وتسأل الأتراك، خصوصاً مثقفهم أحمد داود أوغلو، فلا تسمع جواباً لأنهم قرأوها واكتشفوا الخطأ بعد أشهر قليلة. يكتبون عن سورية أفكاراً معلبة وأحكاماً متسرعة نابعة من عواطف أو شعارات نمطية. ولم تستطع الديكتاتورية العسكرية ولن تستطيع وعود ديكتاتورية الإسلام السياسي الغاء شخصية سورية المعقدة التي لا يعرفها سوى السوريين، يعرفونها لكنهم لا يمتلكون لغة التعبير بعدما غرق كلامهم في الشعارات منذ أواخر خمسينات القرن الماضي. تسعة أشهر على الأزمة والدم البريء يراق في المدن والقرى، ولم تنزلق سورية الى حرب أهلية. هذا ما يدهش اللبنانيين الذين يريدونها على صورتهم السيئة ومثالهم الأكثر سوءاً، كما يدهش المتعصبين الراغبين بتطويع التعقيد السوري ليوافق بساطتهم القاتلة. وهذا ما يدهش، أولاً وآخراً، نظام البعث العسكري الذي اكتشف ان مياه حرية السوريين تجري بثقة وأمان، ولا تلفت انتباه حراسه. قد تقبض على قطرات لكن سيل مياه الحياة لا يوقفه حتى الصخر. إذا خرجت سورية سالمة من أزمتها، علينا معرفة مجتمعها بدقة، فلطالما جهلناه وأدخلناه في النمط مداراة لجهلنا. الأربعاء 14/12/2011: مقهى بول شاوول بين كتاب وتلفزيون، نفتقد جلسة المقهى، ونكتب كيفما اتفق. لم أسأل الشعراء أين كتبوا قصائدهم. من المؤكد ان المقهى كان محل الكتابة أو مفاتيحها الأولى، قبل أن تغلق الأصوات الضاجة أبواب الأحلام. كان المقهى مكان قراءة وكتابة وحوار، وموعداً ثابتاً مع هذا الكاتب أو ذاك. هكذا مع جمال الدين الأفغاني وشبلي الشميل ومحمد عبده ومن بعدهما نجيب محفوظ. مقهى المثقفين كما نعرفه ينقرض. وحده اللبناني بول شاوول أمين لجلسة المقهى، تتبدّل خدمات المقاهي لتلبي زبائن مسرعين، لكن جليسها الشاعر يبقى أميناً لطاولة وفنجان قهوة وورق للقراءة والكتابة. رأيته هذا المساء من نافذة المقهى، كنت مسرعاً فواصلت طريقي، لكن الروح الصديقة واعدته هناك. هل أحسّ بها؟ الخميس 15/12/2011: الى كاتب مصري مثل معركة النهضة وأكثر. قلت لك معلقاً على ما يحدث في مصركم بعد ثورة شبابها. كان أسلافكم النهضويون، ومعهم متمصرون من أصول لبنانية، يستحضرون فكر الحداثة ويزرعونه في تربة مصر العريقة، ولم يُجمعوا على رأي، فليس المثقفون حزباً ولا هم جهة سياسية. يحاولون تأدية دور الضمير وتحمل مسؤولية عموم المواطنين، للحفاظ على الحضارة واستشراف مستقبلها في عالم سائر الى تبادلية لا مفر منها. وكان الإسلام السياسي حاضراً لدى النهضويين في مصر ومعه الملامح الأولى للسلفية. نتذكر هنا «منار» محمد رشيد رضا القلموني اللبناني ومسار فكره بين محمد عبده (سماه الأستاذ الإمام) والسلفية في بدايات امتدادها عربياً وآسيوياً. وطالما جرت مناقشات أدت الى تبدل المواقع الفكرية لهذا المثقف أو ذاك نتيجة قناعة أو فقدان قناعة. مصر النهضة وما بعدها مختبر حضاري يتطلع اليه العرب ولا يزالون، فحتى مرحلة الحكم العسكري لم تستطع اجتثاث نبتة التنوع من الوسط الثقافي، والنبتة الباقية الى أيامنا تتفتح أوراقها في معركة النهضة الجديدة المتعددة الأطراف: ليبرالية واسلام سياسي وانكفاء شخصية مصرية لخوف من امتدادات تحرق الأيدي والرؤوس. مثل معركة النهضة وأكثر. تواجهون اليوم مصير وطنكم ومجتمعكم تحت ضغوط عولمة بلا حدود ومال سياسي يدعم قيادات غير مؤهلة ويشتري أصوات ناخبين فقراء، يبعدهم عن قضاياهم الملموسة مبتدعاً قضايا لا تقدم ولا تؤخر في خبز الناس ومعرفتهم وعملهم اليومي مصدر رزقهم. ويبدو معظم النقاشات يا صديقي أشبه بالكاريكاتور، شكلاً ومعنى، فقد تابعت مساء اليوم في قناة CBC المصرية الخاصة نقاشاً بين المخرج السينمائي خالد يوسف الذي يشكل امتداداً ليوسف شاهين، والداعية اليمني الشاب الحبيب الجفري (وصفه صديقي ميسر الشمري بأنه وسطي صوفي). ولا أدري لماذا اختار مدير البرنامج داعية يمنياً ولم يأت بداعية مصري. ربما فضّل الأصل على الفرع، بانتظار أن يتأهل الدعاة المصريون لحرف النقاش الثقافي عن مساره المنتج ولتسفيه النتاج الثقافي والفني في مصر، خصوصاً السينما التي ختمت عامها المئة قبل سنوات قليلة. وكالعادة، يا صديقي، دفع الداعية الجفري النقاش من السينما كفن الى مشاهد المرأة المغتصبة في الأفلام المصرية، وبالتحديد جسد المرأة الذي يشكل هاجساً شبه وحيد لخطاب الدعاة في أيامنا، على اختلاف مشاربهم، سلفيين أو وسطيين. تقرأ النقاش هذا من الصورة: خالد يوسف ببزته جالساً بلياقة على الكنبة، فيما يتربع الحبيب الجفري بقفطانه وعمامته على كنبة أخرى، ولم تسمح الصورة برؤية قدميه لنعرف هل خلع الحذاء أم تربع بحذائه. لسنا في موضع مقارنة اللباس لنفضل هذا أو ذاك، انما نسجل فارق الأفكار من الزي وطريقة الجلوس. وأيضاً من دفع الداعية محاوره المخرج الى سجن جسد المرأة. مثل هذا السجن مصير أي محاور للدعاة، وأياً كان موضوعه: الاقتصاد أو السياسة، الزراعة أو التجارة، الأمن الداخلي أو العلاقات الدولية، فالدعاة قادرون على ادخال جسد المرأة في هذه القضايا وغيرها، وربما نقرأ قريباً عنوان جسد المرأة في بيان ترشح اسلاميين سياسيين الى رئاسة جمهورية مصر الجديدة.