في بلاد المسلمين، معظمها أو كلها، تتضافر عوامل عدة لتجعل الفساد ظاهرة مستشرية تنخر المجتمع من أساسه. يمكن أن نشير إلى بعض هذه العوامل، على سبيل المثال، فنلحظ استئثار الأقلية بالموارد على حساب الغالبية، وانعدام المؤسسات المدنية التي تسهر على حماية المال العام، وضعف الوازع الديني والخلقي والإنساني. هذه العوامل، وغيرها من السلبيات، ترجع، في نهاية المطاف، إلى سبب واحد جوهري هو غياب الحريّة! سواء سميّناها شورى مُلزمة أو ديموقراطية تعددية، وهذا حديث آخر طويل... ويطول! انتشار الفساد بين المسلمين أدّى إلى ظهور فكرة خبيثة في الغرب تذهب إلى وجود ارتباط، من نوع ما، بين الإسلام، ديناً وشريعة، وبين الفساد، ظاهرة مجتمعية. ويكفي في مجالنا هذا التدليل على شيوع الفكرة، أن كلمات «بخشيش وعمولة وفائدة» أصبحت مرادفة في المنظور الغربي للفساد بمختلف أنواعه وأشكاله. ولا يعنيني هنا أن تكون الكلمة ذات أصل عربي أو تركي أو فارسي بمقدار ما يعنيني أنها تُعتبر في الغرب كلمةً إسلامية! لا يجادل أحد في فساد عدد كبير أو صغير من المسلمين فالأمر خرج عن السيطرة تقريباً. السؤال هو: هل لهذا الفساد علاقة بالدِّين الذي ينتمون إليه، أم إن الفساد يشكّل خروجاً سافراً على هذا الديِّن؟ الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تكفي للقطع بأن الإسلام حارب الفساد والمفسدين وهددهم بعذاب يوم القيامة تنخلع له القلوب. ومتى تحدث النبي (صلى الله عليه وسلم) عن مصير الفاسدين المرعب؟ تحدث في عهدٍ كان المسلمون حديثي عهد بجاهلية شعارها «والدنيا لمن غلبا» وتحدث في مجتمع صغير ناشئ لا يعرف شيئاً عن قواعد الخدمة المدنية. وتحدث عن قوم كان الجوع هو وضعهم المعتاد. أتمنى لو وضَعتْ كلُّ دولة إسلامية هذه الآيات والأحاديث في الصفحة الأولى للدساتير والتشريعات المدنية.