حديث ودي عن «الإخوان المسلمين» وذراعهم السياسية، إشادة واضحة وصريحة بموقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة في «حماية الثورة وتأمين الانتخابات»، تجنب الإشارة إلى التيارات الدينية المتشددة الآخذة في الصعود، تأكيد على أن الاقتصاد لن يستعيد عافتيه إلا برسائل واضحة عن الاستقرار الداخلي، وإشارة إلى أن الطريق إلى السلام بدأ وسيظل في مصر. هذا هو ملخص زيارة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي جون كيري. وتضمنت زيارة كيري للقاهرة أول من أمس مقابلات جمعته ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي، ورئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري، ووزير الخارجية محمد كامل عمرو، وعدداً من ممثلي الأحزاب المتنافسة في الانتخابات البرلمانية، إلا أنها لم تشمل أياً من الأحزاب السلفية بما في ذلك حزب «النور» الذي احتل المرتبة الثانية في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، على عكس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، صاحب الفوز الأكبر ونصيب الأسد في لقاءات كيري. وأبدى كيري خلال لقاء مع عدد محدود من الصحافيين المصريين والأجانب مساء أول من أمس عن ارتياحه لمقابلته رموز «الحرية والعدالة». ويبدو أن جانباً من شعور الارتياح نبع من استبعاد رئيس الحزب الدكتور محمد مرسي حدوث تغييرات جذرية في ما يخص قواعد الاستثمار والنظام الاقتصادي وتأكيده احترام اتفاق السلام مع إسرائيل، إضافة إلى وجود توافق على نقاط أساسية في الدستور المقبل، أبرزها حقوق المواطنة والحريات العامة والحقوق المدنية. وأشار كيري إلى أنه شعر بارتياح إضافي لتأكيد مرسي أن مصر تحترم الاتفاقات والمواثيق التي تم توقيعها، لأن «مصر دولة كبيرة ولها تاريخ عريق»، وإن كان طالب الإدارة الأميركية بأن «تستمع من الشعوب لا أن تسمع عنها»، لافتاً إلى الدور الذي يمكن لأميركا أن تلعبه لتحقيق الاستقرار والنهضة الاقتصادية. وعلى رغم توالي الأسئلة المحاولة لانتزاع انتقاد منه للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في شأن إدارته للمرحلة الانتقالية أو في ما يخص مسألة الدستور، إلا أن كيري قال إن «الجيش من وجهة نظري تصرف بطريقة رائعة، وذلك بحماية حقوق المواطنين في أن يتم الاستماع لرغباتهم، ومن ثم محاولة تنفيذ هذه الرغبات خلال مرحلة انتقالية معقولة. بالطبع ستكون هناك أخطاء في مثل هذا الموقف المعقد والواقع تحت ضغط وقت هائل». لكنه استطرد أنه «لا يوجد شخص كامل، وأعتقد أنهم (المجلس العسكري) أنفسهم سيكونون أول من يعيد التفكير في بعض الخطوات التي تم اتخاذها. لكنهم حموا الثورة». ونوه ب «عقد الانتخابات وحمايتها، ونسبة المشاركة الرائعة من المواطنين المصريين، على رغم شيوع شعور بعدم الثقة في مسألة عقد الانتخابات في البداية». وأكد أن أكبر تحد تواجهه عملية التحول الديموقراطي في مصر حالياً هو الاقتصاد. وقال: «يجب أن تتحرك عجلة الاقتصاد، وعلى المصريين أن يرسلوا رسالة طمأنة إلى العالم الخارجي مفادها أن العجلة بدأت في الدوران، فهذا من شأنه أن يعيد الاستثمارات والأعمال والسياح. هناك خطر خسارة كل ما تم إنجازه لو لم يتم التركيز على الواقع الاقتصادي». ورأى ضرورة «أن تتعاون مصر مع صندوق النقد الدولي، وتستوعب سياساته الإصلاحية وخططه. ومن شأن ذلك أن يرسل الرسائل المطلوبة للمستثمرين الأجانب والمصريين على حد سواء وللذين يستثمرون حالياً في مناطق أخرى، وربما يُبقي البعض على بعض الاستثمارات في مصر لحين وضوح الرؤية الاقتصادية». وبعناية فائقة في اختيار الكلمات التي تجمع بين الإشادة بموقف مصر تجاه السلام في المنطقة والحرص لما قد ينجم عنه أي تغيير في هذا الموقف، قال كيري: «أميركا والمجتمع الدولي ممتنان تجاه ما قدَّمته مصر على مدى نحو 30 عاماً لمحاولة تغيير ديناميات الحرب والسلام في المنطقة. مصر لعبت دوراً ريادياً، والرئيس الراحل أنور السادات فقد حياته ثمناً لهذا الدور. وأميركا تتمنى أن تستمر مصر في القيام بدور القوة المشيدة للسلام، وعدم الانزلاق في فخ إساءة فهم المعاهدة السلام لأن هذا من شأنه أن يضر المنطقة ويهدد اقتصاد مصر». وأضاف أنه «في حال تنامي شعور ما بأن مصر تنأى عن التزامها بريادة السلام في المنطقة، فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى حال من التشوش، ناهيك عن الأضرار الاقتصادية الجمة». واعتبر أن «هناك أسباباً مقنعة جداً حالياً على رأسها الوضع المتردي للاحتياطي المصري لضخ مزيد من السيولة. وسأعود إلى واشنطن وأنا أحمل فكرة واضحة عن الوضع، والمؤكد أن هناك ما يمكن أن نفعله سواء في الولاياتالمتحدة أو دول أخرى للمساعدة»، لكنه عاد وألقى الكرة في الملعب المصري مكرراً «أهمية إرسال رسائل من الداخل لطمأنة الخارج، بما في ذلك المصريين في الخارج، على استقرار الأوضاع». وعلى رغم إصرار كيري غير مرة على أنه ليس في موقف يتيح له التعليق على مسألة الدستور في مصر «لأن هذا شأن مصري داخلي»، إلا أنه قال إنه طرح في مقابلاته التي أجراها وضع حريات الأقليات وحقوقهم، وحرية الدين، وغيرها، وأنه تلقى تأكيدات من مختلف الأطراف على ضمان تلك الحقوق في الدستور الجديد، «ربما يكون هناك بعض التعديلات هنا أو هناك، لكنني سعدت في كل المقابلات بهذا الإجماع على الحفاظ على مبادئ التعددية والتنوع ما يضمن الحقوق». ونفى أن تكون الولاياتالمتحدة تعمل على مساندة الإسلام السياسي البازغ نجمه في العالم العربي من أجل تغيير المعادلة الخاصة بالصراع العربي - الإسرائيلي. وقال إن «أميركا تعمل على مساندة الديموقراطية والانتخابات ورغبات الشعوب. من النفاق أن نتحدث عن الديموقراطية وإعلاء رغبات الشعوب، ثم نخرج لنهاجم حكومة ما اختارها الشعب. نحن نتعامل مع حكومة اختارها الشعب، قد لا نحب كل ما تقوم به هذه الحكومة، لكن علينا التعامل معها».