يوماً بعد يوم، تكشف وسائل الإعلام التي بقيت خارج سلطة الحكومة التركية والمقربين منها، فضائح متكررة تتعلق بالأمن والقضاء، بينها تعذيب موقوفين أو حبسهم احتياطياً لفترات مبالغ فيها، وذلك في ظلّ مساندة مطلقة يبديها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لعناصر الأمن وأجهزته والقضاء. وتعتبر المعارضة أن جماعة النورسيين الاسلامية سيطرت على القضاء بالكامل، لدرجة جعلت زعيم المعارضة اليسارية في البرلمان كمال كيليجدارأوغلو يدعو المجلس الأعلى للقضاء الى الاعتذار من الشعب التركي بسبب هذه الفضائح المتكررة، والتي تعمد وسائل الاعلام المقربة من الحكومة الى التستّر عليها وتبريرها. وأوردت صحيفة «وطن» أن ثمة صوراً لاعتداء وتعذيب تعرّضت له شابة تُدعى فوزية جنكيز، في قسم الشرطة بمدينة إزمير، إذ اقتيدت الى المخفر بحجة الاشتباه بها، ثم تعرّضت لضرب مبرح من شرطيَّيْن، بسبب احتجاجها على طريقة التعامل معها، وهي مقيّدة اليدين، فيما رجل أمن يحاول إبعاد زميليه عن مرمى كاميرا الأمن في الغرفة. والأكثر فظاعة، كما أوردت وسائل إعلام تركية، أن المرأة رفعت دعوى ضد الشرطيين، فطالب مدعي النيابة بمحاكمتهم بتهمة سوء المعاملة، والتي تنصّ على سجنهم ستة شهور، فيما طلب حبس الشابة سبع سنوات، إذ اتهمها بالاعتداء على شرطي أثناء أدائه مهمته الرسمية. واعتبر حقوقيون تصرّف مدعي النيابة تواطؤاً مع الشرطة، لترهيب الفتاة وجعلها تسحب دعواها وإغلاق الملف. وفي حادث سبّب تظاهر المئات من الطلاب والأكاديميين، في حضور ممثلين عن «منظمة العفو الدولية»، أمر قاضي محكمة الجنايات في اسطنبول بمواصلة سجن الطالب جيهان قرمزي غل المُتهم بالانتماء الى تنظيم إرهابي، بعد اعتقاله قبل 22 شهراً مرتدياً كوفية وسط تظاهرة مؤيدة ل «حزب العمال الكردستاني» المحظور في اسطنبول. ويقبع قرمزي غل في سجن انفرادي، على رغم عدم وجود أي دليل على انتمائه الى «الكردستاني»، سوى ارتدائه الكوفية ووجوده قرب التظاهرة. وترفض المحكمة الاستماع الى شهود النفي الذين يؤكدون وجود قرمزي غل في مكان بعيد من التظاهرة، كما أن ثمة صوراً لكاميرات الأمن تظهره يبتعد عن التظاهرة، رافضاً المشاركة فيها. وقال محامي الطالب إن تمديد حبس موكله حتى آذار (مارس) المقبل، يعني أنه سيتم سنتين كاملتين في الحبس الانفرادي، من دون وجود أي دليل مادي أو جدي على التهمة الموجهة إليه، ما يُعتبر نوعاً من التعذيب النفسي. ويرى الكاتب أورال شاليشلار، وكتاب يساريون آخرون، أن المساندة المطلقة التي تحظى بها أجهزة الأمن من حكومة اردوغان، ووجود نوع من الانسجام الإيديولوجي بين الحكومة والهيئة العليا للقضاة، يعودان بتركيا الى تسعينات القرن العشرين، حين كان الأمن يحكم الشارع من دون رقابة أو محاسبة، بمساندة من الجيش، بحجة خطر الإرهاب و»الكردستاني»، لكن هذه المرة بمساندة من الحكومة التي تصمّ آذانها عن الشكاوى ضد تجاوزات القضاة والمدعين العامين، والتي تكلف تركيا ملايين الدولارات سنوياً.