بعض المسلسلات التركية المدبلجة التي غرفت في العهد الذهبي من مكاسب شهرة طاغية في العالم العربي وما زالت تعرض وتعاد حتى يومنا هذا على بعض الفضائيات العربية، كانت تلجأ مع التقدّم في دبلجتها وتوزيعها إلى حيلة درامية قوامها البحث عن أصوات للأداء العربي المدبلج تكون قريبة جداً من أصوات الممثلين الأتراك أنفسهم، ثم بفضل التطابق ولو النسبي بين الشكل الأصلي و شكل من يقوم بدبلجة الدور، تستدعي مخيلة المشاهد على الفور صورة الممثل الغائب الذي يؤدي الوظيفة هنا بجدارة مبالغ فيها أحياناً. كان بالإمكان أن تمرّ هذه الحيلة التلفزيونية التي تنشأ هنا عن ضرورة تسويقية بسهولة ولكن هذا كان قبل أن تجري قراءتها قراءة نقدية متمحصة تفرضها هوية التلفزيون نفسه الذي يؤكد هنا نظرية المخرج الإيطالي فيديريكو فيلليني عن الحيلة التجارية في التلفزيون «التي تتناسل هنا من تلقاء نفسها، وكأنها تخلق غبشاً في الصورة لا ينتهي، أو لا يراد له أن ينتهي بقراءة نقدية جادة وعميقة». ليس بالضرورة أن تكون هذه النظرية صائبة إلى ما لا نهاية، ولكن الإشارة إليها يخلق التباساً لدى المشاهد لا يقل خطورة في هذا الإطار. حيث ليس هناك ما هو أشد خطراً من الالتباس التلفزيوني الذي يولده هذا الفعل التجاري «الشائن» وفق فيلليني الذي أقدم في فيلمه الشهير «جنجر وفريد» على مقارعة هذا الجهاز وما يولده من جملة من الأحاسيس الملتبسة، القائمة على ارتخاء الفك السفلي ومحاولة إجراء المقارنة بين ما يعرض عليه في الزمن الحاضر، وصورة الممثل الغائبة التي تقبع في الذاكرة، وهي هنا تقيم بالضرورة في ذاكرة هشّة وضعيفة وسريع التكسر، أمام سرعة التبدل في الوظيفة الدرامية التي يقوم بها المدبلج في عمله. هذه الحيلة الدرامية التي ألزمت بعض الشركات القائمة باستخدام وجوه معينة تقوم على إنشاء هذه المقارنة من تلقاء نفسها لم تقف عند هذا الحد، فقد ضمنت أيضاً تسويق نجوم الدوبلاج، وإن بطريقة مقلوبة وضعت بعضهم في سياق تنميط حاد أضاع عليهم فرص العمل في المسلسلات الدرامية، مع الاكتفاء بخلق الشبائه التلفزيونية عن طريق التأسيس لحيلة لا تتعدى خلق حالة من الالتباس في طريقة المشاهدة، كان فيلليني يقول عنها إنها طريقة مراوغة، قريبة الشبه من أسلوب اللصوص وقاطعي الطريق، وهذا ما لم يوفره الفهم الجاد للالتباسات التلفزيوينة التي حاكاها علماء اجتماع كثر في كتاباتهم، وإن لم يقارعوها كما هو حال فيلليني الذي ظل محافظاً على نفس شديد العداء لها، وبتنا نعرف من خلال فيلمه «جنجر وفريد» إنه لم يكن مهادناً لها أبداً.