هل تنسجم فوضى الأصوات مع دراما الدبلجة؟ سؤال يصعد للذهن بعد موجة دبلجة المسلسلات التركية للعربية، باللهجة السورية أولاً، ثم بلهجات عربية أخرى بعد ذلك. نعني بالسؤال فوضى اختيار الأصوات العربية التي تنوب عن الممثل التركي، فالأعمال المدبلجة الأولى ( «نور» و «سنوات الضياع») جعلت الممثلين الأتراك يرتبطون في ذهن المشاهد العربي بأصوات ممثلين سوريين محددين، فماذا إن جرى استبدالهم في الأعمال الجديدة بأصوات ممثلين آخرين؟ واضح أن الأمر هنا ليس مجرد «توزيع أصوات» لا أهمية له، لأن الصوت ارتبط بملامح الممثل التركي وأدائه وحضوره على نحو يصعب معه أن يكون الاستبدال عادياً ومألوفاً. هي من جديد لعبة الدراما وافتراضاتها ومتطلباتها كي تأتي المشاهدة حاملة لفكرة الانسجام التي نعتقد أن التغيير يكسرها، ويضع المشاهد في نوع من الاغتراب الذي يكشف له لا حقيقية ما يجرى أمامه. من المهم هنا مراعاة المناخ الدرامي للعمل المدبلج، ومعه فكرة السياق المنسجم والقادر على خلق التفاعل بين المشاهد والأحداث التي تجرى أمامه على الشاشة من دون أن يفقد تماسك السياق الدرامي، أو يضطر لملاحظة ما هو غريب وناشز. تقوم لعبة الدبلجة في ركن أساس منها على ضآلة التكاليف «الإنتاجية» وسرعة الإنجاز، وهذه مسائل مفهومة وبديهية، غير أنها لا تبرّر بعد ذلك أية «هوجة» يمكن أن تأتي لأصحابها بنتائج معاكسة، خصوصاً أن بذرة الاغتراب عن بيئة المسلسل التركي وتناقض الصورة والصوت موجودة أصلاً وسيزيدها تغيير أصوات الممثلين اتساعاً لتتحول إلى فجوة قاسية. هي معادلة بالغة الحساسية، وتحتاج انتباهات وحرصاً ومراعاة لشروط اللعبة الدرامية، والأهم أيضاً حاجتها لإرساء تقاليد فنية ومهنية لعملية الدبلجة، تنتشلها من العفوية والفوضى بما هما ارتهان للصدفة، وما تحمله من تناقضات النجاح مرة، في مقابل الفشل مرات أخرى إن ظلت الأمور على ما هي عليه اليوم. نشير إلى ذلك ونحن نشهد اتساعاً في حركة دبلجة الأعمال التلفزيونية التركية، وامتداد ذلك إلى دبلجة عدد من أهم انتاجات السينما العالمية للعربية الفصحى. أي أن المسألة تجاوزت أعمالاً محدودة ودخلت طور الصناعة مع ما يتطلبه ذلك من جدية نفتقدها.