المسلسل التركي التاريخي «حريم السلطان» الذي عرضته «قناة دبي»، وتعرضه الآن فضائية «الحياة» سيغير في شكل جذري النظرة إلى المسلسل التاريخي العربي الراهن الذي تعودنا عليه في العقدين الأخيرين. ويمكن الجزم هنا بأن الشركات المنتجة ستشجع على مسلسلات من هذا النوع فيها للحريم من طراز «مريام اوزلي» دور كبير، حتى لو كانت تقوم في معظمها على الدسائس والغدر الذي شاهدنا جزءاً كبيراً منه يدور في أروقة السلطان سليم القانوني بعدما أعتق «روهاما» وشغف بها لدرجة أن سلمها مقاليد السلطنة والحكم. وإذا كان مسلسل «حريم السلطان» يقدم رؤية قد تغدو جديدة لدى بعضهم، فإنه لا يفتقر إلى كل مقومات التسويق، ففيه كل المعطيات التي تدل على ذلك، من حريم يقمن بدور الاكسسوارات في ملاحم يفترض أنها تاريخية، لا مجرد أقنعة تسند إلى الجدران في البلاط السلطاني، ليقمن من هناك بحياكة المؤامرات التي قاد بعضها كما يفهم إلى انهيار السلطنة العثمانية. وقد بدا لافتاً أن يدبلج هذا العمل باللهجة العامية بعكس المسلسلات التاريخية العربية التي لم تخن هنا لغة الضاد، مستغلة بعض جمالياتها حتى وإن جاء بعضها جافاً إلى حد ما، ما يعني أن هذه المسلسلات سجلت تقدماً ملحوظاً على الدبلجة الجديدة، فقد بدا الكلام في المسلسل التركي التاريخي غير مناسب للأجواء والشخوص التي كانت تتحرك ضمنها في أردية تاريخية مزركشة وضخمة، وكأنها كانت تفترق من تلقاء نفسها عن اللهجة العامية التي أرادها اصحاب العمل المدبلج. بكل تأكيد سيفرض المسلسل التركي ايقاعاً جديداً على واقع المسلسل التاريخي العربي، وقد يعطيه زخماً يدفع به نحو آفاق رحبة، وقد يؤدي دوراً سلبياً، باعتبار أن ما يقوم به «حريم السلطان»، لا يعدو كونه «تقشيراً» لعباءة التاريخ، وليس استلهامه. وإذا أردنا تقويم التجربة التاريخية العربية، فإن ظلماً واضحاً قد يبدو لنا في الآفاق، فما يتيحه سقف الرقابة العربية للمسلسل التركي وإن جاء بلباس تاريخي كذلك الذي شاهدناه في هذا المسلسل أخيراً يبدو أكثر انفتاحاً، مما يفرضه هذا السقف على المسلسل التاريخي العربي. ونأمل من بعد هذا العرض الذي جاء مفاجئاً لكثر أن يكون دور الرقابة العربية في المسلسلات التاريخية الدرامية العربية توافقياً أكثر، بحيث يمكن المخرجين العرب - وقد أثبت بعضهم جدارة في تناول التاريخ تلفزيونياً - ان يخوضوا منافسة ممكنة ونزيهة.