أكثر من عشر فضائيات عربية خالفت في السنين الماضية القانون الرقم 6 الخاص بحماية المستهلك. وهو القانون الذي يلزم المعلن نظرياً بضرورة إشهار الحقيقة عن نوع المنتج الذي يعمل على الترويج له عبر الفضاء. ولم يكن ممكناً - مع «تغوّل» هذا البث في غفلة عن المحاسبة، وتحوّل جزء كبير منه إلى فوضى ومحسوبيات ورشاوى، بعضها معروف، وبعضها مجهول تماماً-، الوقوف الصريح على هذه المخالفات بغية حماية المستهلك العربي من تجنيات المنتج والمعلن على حد سواء. كان المخرج الإيطالي الكبير فيدريكو فيلليني يعتبر نفسه في مواجهة دائمة مع الإعلان التلفزيوني وهو ظلّ كذلك حتى رحيله مطلع تسعينات القرن الماضي. لم يكن يهادنه في تصريحاته ولقاءاته حتى أن واحداً من أشهر أفلامه كرسه من أجل مناقشة هذا «المخلوق» التلفزيوني بوصفه تمجيداً للعنف على حساب الثقافة الأصيلة. وكان يطالب بأن يعاقب منتجه كما يعاقب اللص وقاطع الطريق، لأنه يشكل سخرية منظمة من الإنسان المعاصر حين يقرر نوع توازنه النفسي، من خلال الانصياع له في عملية تواطؤ متبادلة لم تكن مفهومة في أغلب الأحيان. ليس لدينا في واقع الأمر «جنجر وفريد» عربيين ليناقشا قضية الإعلانات التلفزيونية على هذا المستوى. فالجميع بات يعلم أن ساعات الذروة في البث الفضائي العربي يحتكرها المعلنون الكبار، وهم من يشكلون نوع المادة، ويقومون برعايتها. ولم يكن غريباً أن تنتصر غريزة المستهلك والمعلن في نفس الوقت حتى على المادة الترفيهية نفسها، والمتشكل قوامها السحري بالدرجة الأولى من المسلسلات الدرامية التلفزيونية. الآن تقف عشر فضائيات عربية ومعها إدارة قمر «النايل سات» في مواجهة القضاء بتهمة التواطؤ المتبادل والإعلان عن مواد طبية غير معروفة المصدر، وتشمل «علاج الصلع والضعف الجنسي والأمراض المستعصية»، وكلها اجتمعت في نبتة مجهولة المصدر تحمل اسم «عشبة بن علي»، ولصاقة طبية صينية لا يمكن التكهن بآثارها السلبية أو الإيجابية على حد سواء، فلم تعط وزارات الصحة المعنية أي معلومات من حولها على الإطلاق. ما يهم هنا ليس نوع بعض الفضائيات التي كانت تروج لمثل هذه السموم، وهي من النوع الذي يعمل على تعكير صفو المشاهدين بالآراء المتشددة في الدين. وليس مهماً حتى نوع الاحتيال الذي يقوم على خلق هذا التوازن النفسي المريب بين المشاهد/المستهلك، والمنتج المعلن الذي لا يوفر طريقة للإثراء غير المشروع، إلا ويمارسها من فوقه بالكيفية التي يريدها. لكن اللافت هو وجود قنوات فضائية بينها تعنى بالهم الثقافي، وتقوم في الوقت ذاته بالترويج الأعمى لمثل هذه المواد الطبية المجهولة، في عملية احتيال مركبة بالاشتراك مع شركات اتصالات الهواتف النقالة أيضاً. وهذه لم تكن تدخل في حسابات فيلليني نفسه الذي اكتشف معنى القانون رقم 6 منذ زمن طويل، وطالب بأن يفرد للإعلان التلفزيوني حيزاً في قانون العقوبات بدل الامتعاض والشكوى فقط.