صبيحة اليوم التالي لما يسمى الانتخابات، يمكن القول إنّ جميع الراشدين الروس صاروا أعضاء في حزب تجوز تسميته «انتهاك حرمة روسيا» أو «روسيا المنتهكة». والفارق بين مسرحية هذا العام وتلك التي أُجريت قبل أربعة أعوام ليس النسبة المئوية التي سيتولى تشوروف (رئيس لجنة الانتخابات المركزيّة) إضافتها الى النتائج، بسبب انخفاض شعبيّة الحزب ومعه رئيس لائحته ديمتري مدفيديف، بل أيضاً العجائب التي رافقت الحادثة. فحاكم منطقة «سفيردلوفسك» الذي كان الأمس في غيبوبة إثر حادثة سير، استفاق فجأة، وطلب أن يطلع كل ساعتين على سير عملية التصويت. فالمسؤولون الكبار في حزب «روسيا الموحدة» أبلغوا حكّام المناطق أنّ عملهم ومستقبلهم هما رهن النتيجة الايجابية التي ستفرزها صناديق الاقتراع. والاهم في العمليّة الانتخابية ليس الوثائق المزوّرة ولا إسقاط عشرات من أوراق الاقتراع في الصناديق. فمثل هذه الامور لا يرقى الى التزوير المنظم والفعال. فالغش يحصل عادةً في الخفاء ووراء الابواب الموصدة. والحملة الأخيرة أظهرت من يمسك بمقاليد القوة في روسيا، وأثبتت أنهم لا يحتاجون الى العمل في الخفاء، بل يقدمون على التزوير على الملأ. عمدة موسكو فسّر هذا في إحدى مقابلاته، قائلاً ان المواطنين في موسكو يدركون انّ ما هو جيد لحزب «روسيا الموحدة»، جيد كذلك لموسكو ومواطنيها، ومن يريد أن يعيش بهناء عليه التصويت للحزب. وروج جميع الموظفين، كبارهم وصغارهم، ل «روسيا الموحدة»، وفي إحدى المناطق وجّه تهديد مباشر الى أحد المراقبين بالتزام الصمت، وتولّى بعض المشرفين على صناديق الاقتراع لملمة المشردين للاقتراع لمصلحة «روسيا الموحدة». وطبعاً لن يتعرّض المخالفون للملاحقة لأن السيد تشوروف لن يجازف بملاحقة أشخاص لا يخجلون او يخافون انتهاك القانون على مرأى من الجميع. لم ترم الانتخابات الى حيازة «روسيا الموحدة» غالبية الاصوات فحسب، بل إلى إفهام الجميع أن الفيصل في روسيا هو بوتين، والكلمة له. وهذا ضعيف الصلة بسيادة القانون والعمليّة الديموقراطيّة. وهذه عمليّة عرض عضلات وقوة. ورمت الانتخابات الى انهاك الشعب (او انتهاك حرمته)، وإفهام الروس أن بوتين يدير البلاد كما يشاء. وربما ينجح في ذلك، خصوصاً حين يناقش الجميع، ومنهم غلاة المعارضين ما عدا قلّة قليلة، أنجع سبل المشاركة في الانتخابات الكاذبة. والأمل تحمله تلك القلّة التي رفضت الانخراط ب «اللعبة»، ومن اعتصم في ساحات المدن. وربما بعد أشهر، يتعاظم حجم حركة الاعتراض من عشرات إلى مئات وآلاف، إذا رفض الروس أن يكونوا بيدقاً في يد السلطة. * صحافي روسي، عن «يجيدنيفني جورنال» الروسية، 5/12/2011، اعداد علي شرف الدين