متاهة جديدة تدخل فيها الأزمة السورية، ومعها الخطة العربية للحل، عبر دفاتر الشروط المتبادلة، والتغافل عن ان الهدف الأساسي للتحرك العربي هو وقف القتل في الداخل السوري، وليس الجدل حول سيادة سورية ووحدتها ووحدة اراضيها. واي انزلاق عربي، او خارجي عموماً، الى هذا الجدل او السعي الى ضمانات للحفاظ على هذه السيادة يعني استمرار القتل في الوقت الضائع، ومراكمة اسباب تعقيد الحل السلمي أكثر مما هو معقد، إن لم يكن بات مستحيلاً. واضح ان الجهد السوري الرسمي، عبر تبادل الرسائل والمذكرات لانقطاع الاتصالات المباشرة، بعد تجميد عضوية دمشق في اجهزة الجامعة العربية، يهدف اساسا الى الدخول في متاهة الجدل النظري في شأن السيادة وكيفية العمل مع المراقبين... إلخ، وتالياً تأخير تنفيذ هذه الآلية اطول مدة ممكنة وتطويقها بجملة من الاجراءات، بما يجعلها غير ذات قيمة مع استمرار السلطات السورية في النهج الامني الذي يبدو وحيدا امامها في التعامل مع الحركة الاحتجاجية، مع ما يتضمنه ذلك من مواصلة القتل اليومي الذي تتصاعد ارقام ضحاياه مع مرور الايام. ويبدو ايضا ان هذا التعامل الرسمي السوري مع الازمة بات مكشوف الاهداف لاعضاء اللجنة الوزارية العربية، ومعهم الامين العام للجامعة. وبحسب المعطيات الاولى، فمن غير المرجح ان تتعامل اللجنة مع الشروط السورية لتوقيع بروتوكول المراقبين، لا بل يُعتقد بأن دمشق وضعت هذه الشروط وهي تدرك سلفاً عدم قبولها، وتالياً توفر لها هذه الخطوة مبرراً سياسياً لإلقاء اللوم على العرب بعدما اتهمت بعضهم بالتآمر ضدها. وتوفر مبرراً داخلياً للاستمرار في الحل الامني. ولو كانت السلطات السورية ترغب فعلاً في التعاون مع خطة الجامعة، لعمدت فوراً ومن دون انتظار المراقبين، الى اخلاء الشوارع من القوات الامنية والشبيحة وإعادتها الى ثكناتها، وسمحت بالتظاهر السلمي. وعند ذلك تتكشف حقيقة «المجموعات المسلحة» ومدى دورها في الحركة الاحتجاجية وأهدافها، إن وجدت فعلاً. تمتنع السلطات السورية عن تأكيد حسن نيات تسعى الى إظهارها. لا بل تدفع الوضع الى هذه المتاهة عمداً، لعلها مع الوقت تستطيع كسر ارادة المحتجين وترغمهم بقوة الاعتقال والتنكيل والخراب والقتل على الرضوخ لها والتخلي عن مطالبهم، وذلك في الوقت الذي تحاول الظهور فيه مظهرَ المتعاون مع جهود وقف القتل. لكنها في ذلك ترتكب اخطاء في التقدير، ومن هذه الاخطاء الاساسية انها تراهن على صدقيةٍ هي مفقودة بالكامل، فكل مناوراتها باتت معروفة ومقروءة جيدا من الجميع، ولم يعد احد يصدق كل البلاغة التي تبذلها في مجال الدفاع عن ذاتها. ومنها ايضا عدم التقاط معنى هذه الدماء الغزيرة التي أسالتها آلة القتل الرسمية، وما ادى اليه ذلك من تقلص لمساحة التسامح معها الى ادنى حد ممكن. وهذا ما يجعل تجذر شعارات الحركة الاحتجاجية على الحكم ورجالاته يترافق مع العقوبات الخارجية على الممسكين بآلة القتل، وما يعنيه ذلك من استحالة ان يستمر هؤلاء في مواقعهم مهما صدر من كلام ووعود عن اصلاحات لم يعد يصدقها احد، وستزداد صعوبة تصديقها مع مرور الوقت واستمرار القتل. وليواجه الوضع الداخلي مأزقاً مزدوجاً، سواء في ايجاد الحل السياسي العام او في لحمة المواطنة التي بدأت نذر تفككها تتواتر أكثر فأكثر.