عكست نتائج انتخابات مجلس الدوما (البرلمان) الروسي الأحد، المزاج العام في روسيا، وإن أتت مخالفة قليلاً للتوقعات، إذ أن أكثر الاستطلاعات تشاؤماً منح حزب السلطة «روسيا الموحدة» أكثر من 55 في المئة من الأصوات، لكن الحزب الذي يتحكم بمقاليد السياسة والاقتصاد في البلاد حصد نصف أصوات الناخبين فقط. وتحدث الرئيس ديمتري مدفيديف الذي رأسَ اللائحة الانتخابية للحزب عن «فوز مقنع ونتيجة لها ما يبررها»، مشيراً إلى أن «روسيا الموحدة» حافظ على مكانته وعلى أصوات نصف الروس، على رغم الأزمات المالية والاقتصادية التي عصفت بدول كثيرة وأطاحت أحزاباً وحكومات. وبدت النسبة قريبة من الواقع، رغم أن أحزاب المعارضة لم تتوقف عن كيل الاتهامات للسلطة بارتكاب مخالفات واسعة لمصلحة الحزب الحاكم، معتبرة ان الحصيلة الحقيقية لاداء هذا الحزب لا تزيد على 40 في المئة. وأيدت واشنطن هذا الموقف، إذ أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن لديها «بواعث قلق خطرة» في شأن إدارة الانتخابات في روسيا، وأضافت ان «الروس يستحقون تحقيقاً شاملاً في كل المخالفات التي تردد حدوثها». وتؤكد معطيات مراقبين تسجيل انتهاكات في عدد كبير من مراكز الاقتراع، سواء باستخدام أصوات متوفين أو أشخاص لا يشاركون عادة في الانتخابات. وظهر على شبكات التواصل الإجتماعي في روسيا أمس، مقطع فيديو صور سراً داخل مركز اقتراع وظهر فيه رئيس اللجنة المشرفة وهو يعبئ استمارات فارغة ووضعها في الصندوق. كما أبلغت «الحياة» موظفة في أحد المراكز في موسكو، أنها كانت شاهداً على إضافة نحو ثلاثين بطاقة اقتراع مزوّرة لمصلحة «روسيا الموحدة» علماً أن الحزب حصل في هذا المركز على اصوات 319 ناخباً من أصل 1125 اقترعوا فيه. مهمة أحزاب المعارضة في اثبات الانتهاكات، تبدو معقدة وغالباً لا تؤدي إلى نتائج، كما أن الأحزاب ذاتها ربما لن تكون مهتمة كثيراً بمتابعة الموضوع، بعدما أظهرت النتائج أنها عززت حضورها في البرلمان الجديد. وشكل حصول الشيوعيين على نحو عشرين في المئة من الاصوات، مفاجأة لهم، اذ ضاعفوا عدد مقاعدهم في البرلمان، ليقتربوا من النسبة الحقيقية التي تعكس تواجدهم في الشارع. كما تقدم «الليبرالي الديموقراطي» الذي تحمل شعاراته نفساً قومياً متطرفاً، من 8 في المئة في السابق إلى نحو 12 في المئة، و «روسيا العادلة» من 7.5 في المئة إلى نحو 14. وعلى رغم تمثل الطيف الحزبي في الهيئة الاشتراعية، فان موازين القوى داخل البرلمان ستشهد تغييرات، وان قلل بعض خبراء السياسة الروس من أهمية فقدان «روسيا الموحدة» غالبية الثلثين في البرلمان التي كانت تسمح للحزب بسن القوانين وتعديل الدستور. وأبلغ خبير روسي «الحياة» ان «مهمات من نوع تعديل الدستور أو اتخاذ قرارات مصيرية تتطلب موافقة ثلثي المجلس، ليست مطروحة في المدى المنظور أصلاً، والمهمة الأساسية الوحيدة أمام حزب روسيا الموحدة، هي دعم وصول رئيس الوزراء فلاديمير بوتين إلى الرئاسة مجدداً في الربيع المقبل، وهو أمر محسوم». وإضافة الى «الخسارة المعنوية»، سيضطر الحزب إلى التنازل عن بعض اللجان النيابية التي كان يسيطر عليها، ما يوسّع قدرة الأحزاب الأخرى على المناورة والمشاركة في المناقشات. وفي هذا الاطار، يستعد الحزب الشيوعي بزعامة جينادي زيوغانوف لحضور لافت بعد سيطرته على أقل بقليل من ربع مقاعد الهيئة الاشتراعية، لكن الأكيد أن حدود المناورة ستبقى محصورة أمامه لأن نواب الحزبين الآخرين في البرلمان يخوضون عادة نقاشات ساخنة حول كل صغيرة وكبيرة، لكنهم عند التصويت يرفعون الأيدي لمصلحة «حزب الكرملين».