الفن ليس حالة إبداعية فحسب، بل هو عمل متواصل، لهذا يقف معظم الفنانين في منتصف الطريق لتذهب إبداعاتهم أدراج النسيان، الفنان التشكيلي السعودي عثمان الخزيم ليس من هذا النوع، منذ عرفته عبر الصحافة في ثمانينات القرن الماضي، عندما انتدب لمرافقة معرض «الرياض بين الأمس واليوم» في عدد من دول العالم، كان شاباً طموحاً تتحرك الألوان أمام أصابعه كما تتحرك الغيوم أمام الهواء الخفيف ليستحيل الغيم إعجازاً فنياً. كما أن عثمان قريب من نبض المجتمع، عينيه عدسة عالية الحساسية. أختار أن يترك عائلته، وأن يقيم مرسمه، ليتحول المرسم إلى مكان أثير لأصدقاء الخزيم ومحبيه، ينام ويأكل ويشرب ويرسم في شقة صغيرة قي حي الملز، كان قبل ذلك في مجمع الأندلس، وقبلها كان في فندق «الانتركونتينتال»، وكان من ضمن معروضاته صورة التقطتها عدسة صديقنا الراحل صالح العزاز لرجل عربي في صحراء، وهو يحاول أن يجمع أطراف عباءته التي لعبت بها ريح عاتية، أطلق على مرسمه اسم: «عين ثمان»، وهو اسم لا يقل إبداعاً عن لوحات الخزيم التي عبرت فضاءات ومدارس يتحول عثمان إلى مدرسة فقبل أيام زرت الخزيم في مرسمه بالملز فوجدته على غير عادته مشغولاً وقلقاً يتنقل بين لوحاته، فعرفت منه انه بصدد إقامة معرض لصالح جمعية الأطفال المعوقين في جدة، على أن يخصص ريعه لصالح الجمعية. تلك هي القيمة المثلى للفنان الذي ينصهر في مجتمعه حد الذوبان والتوحيد، أن يتحرك فنان مرهف باتجاه شريحة اجتماعية محرومة في مجتمعه، يعني انه يعي مسؤوليته الاجتماعية. الخزيم لم يكتفِ بالتجريد الفني الخالص، وهو حق مشروع له في ظل غياب الموارد، فهو اتجه أخيراً لرسم لوحات تراثية سعودية لبعض الجهات الحكومية لتقديمها هدايا لزوارها. كما دخل الخزيم مجال التصاميم إذ صمم أخيراً مجوهرات تحمل طابعاً سعودياً من خلال اختياره الأسماء التي تحملها تلك المجوهرات، وهو في العامين الأخيرين أنجز عدداً من اللوحات التي تنتمي إلى مدرسته، واستخلص تلك اللوحات من الوجوه التي تمر في يومياته من دون أن يكشف عن ملامحها، وكأنه يرسم على الغيم. عثمان الخزيم... يلتقط الزوايا المعتمة ليحيلها إلى ضوء في أعين زائريه ورواد مرسمه. إصرار الخزيم على المضي قدماً في مشروعه الفني يشعرك بأنه الوحيد بين الفنانين السعوديين الذي يتحرك في أربعة اتجاهات في آن واحد.