ترسم الصورة الفوتوغرافية معالم المشهد بدقة، لكن تبقى أشياء لا تستطيع عدسات الكاميرا التقاطها. أشياء تشعر بها وتتخلل إلى مسامك وأعصابك وأنت تعايش اللحظة، ومن دونها ربما لا تكون الصورة مكتملة المعالم والتفاصيل. استطاعت الفنانة المصرية هبة خليفة جمع بعض هذه التفاصيل غير المرئية، نثرتها فوق مساحة الصورة ليكتمل المشهد، ونرى ما لم تره الكاميرا. لتتحول الصورة إلى ما يشبه الملحمة. تستدعي درجاتها الرمادية لون دخان القنابل المسيلة للدموع، وتتقاطع مع لون الأسفلت المبلل بفعل خراطيم المياه. بشر ينتزعون حريتهم بأيديهم، يتسلقون الهواء، يزحفون على الأرض، يركضون نحو غايتهم، يحلقون بعيداً لتحقيق حلمهم. لحظات أسطورية عجيبة، يتشابك فيها كل شيء، التاريخ بالجغرافيا، الحقيقة بالخيال، الحلم بالواقع. تقترب المسافات، تتقلص الحدود. هي الأسطورة تتجسد أمام عينيك بكل ما تعنيه، الأرض تهتز تحت أقدامك. الهواء، ذلك المعبق برائحة الدخان، يحمل ملائكة تطير بلا أجنحة. كائنات نورانية شفافة، تلثم جبينك ثم تعاود التحليق من جديد. المشهد فوق جسر «قصر النيل»، في القاهرة، ذلك الجسر المؤدي إلى «ميدان التحرير» مباشرة، حيث كانت المعركة الأخيرة مع قوات الأمن المدججة بالأسلحة قبل اندحارها أمام زحف الجماهير. مشهدان مختلفان التقطتهما خليفة بعدسة الكاميرا في ذلك اليوم. أضافت خليفة إلى المشهدين بعض التفاصيل الأخرى. عالجتهما بالحذف والإضافة، سجلت بطريقتها الخاصة ما كانت تراه حينها وما لم تره عدسة الكاميرا. أضفت خليفة على المشهد ما يستحقه حتى يصير ملحمياً وأسطورياً كما عايشته حينها. العملان هما جزء من مجموعة أعمال تشارك بها خليفة في معرض جماعي يقام في مركز «الجزيرة» في القاهرة تحت عنوان «الشعب خط أحمر»، ويضم مجموعة صور فوتوغرافية التقطها 14 مصوراً، وتسجل مشاهد من أحداث الثورة المصرية منذ اندلاعها في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، وذلك بدعم من مؤسسة «المورد الثقافي».