سيكون لبنان على موعد مع الغموض السياسي الأربعاء المقبل. وهو الموعد الذي تقرر رسمياً لطرح ملف تمويل المحكمة الدولية أمام مجلس الوزراء. فالرئيس نجيب ميقاتي حسم أمر استقالته في حال فشِل في تمرير التمويل، و«حزب الله»، يبدو ماضياً في رفض التمويل. وتيار «المستقبل» يستعد لاستنفار سياسي، واستغلال تداعي الحكومة لخلق حالة سياسية تمكّنه من إحراج خصومه، واسترداد السلطة. الغالبية ستفكر في تعطيل جلسة الأربعاء، وكسب مزيد من الوقت لحكومة ميقاتي التي تعيش أيامها الأخيرة، لكن هذا الحل، إذا اعتُمِد، لن ينقذ البلد من أزمة سياسية معقدة، فضلاً عن انه ليس أكيداً ان ميقاتي سيستجيب لهذا التمديد المفتعل، وإن فعل، مجبراً، فإنه سيُضاعف تداعيات الأزمة وخطرها. لا شك في ان المشهد السياسي في لبنان يعيش غموضاً يُعدّ سابقة. «حزب الله» أمام طريقين كلاهما يؤدي الى النهاية ذاتها، فالتمويل يعني بداية استهدافه، والرفض يكشفه امام خصومه والعالم، ويضع لبنان كله تحت الحصار الدولي. ومناورة تطيير جلسة مجلس الوزراء، مجرد مسكّن غير مضمون. في المقابل لا تملك المعارضة حلاً ينقذ الوضع، واستقالة ميقاتي لن تعجل التمويل، وربما تطيل فترة حكومة تصريف الأعمال، وتفرض على «المستقبل» استعذاب الشارع و«فشة الخلق»، والمساهمة في تأزيم الوضع، فضلاً عن ان تيار «المستقبل» ليست لديه حتى الآن رؤية سياسية. وهو يراهن في معركته على سقوط النظام السوري، وهذا رهان سيطول، ناهيك عن أن سقوط هذا النظام قد يفضي الى نتيجة عكسية. فغياب النظام السوري سيضعف حجة خصومه في لبنان، وربما أفاق لبنان على تحوُّل يعاود تشكيل المواقع والوقائع، ويحرّض اللبنانيين على الخروج من هذه الدائرة التي يتطلب تفكيكها كسر احتكارها. الأكيد ان لبنان يدفع اليوم ثمن ارتهان قراره السياسي للخارج. وإذا كان ثمن هذا الارتهان تُرجِم سابقاً بإقصاء أطراف، وهيمنة أخرى، فهو هذه المرة سيقتص من استقرار البلد ووحدته. والحل يتطلب من كل الأطراف رؤية وطنية، وتحييد القضية السورية، والجلوس الى طاولة حوار لمناقشة الأرباح والخسائر. من دون هذه الروح، سيكون ما يحصل في سورية اليوم، مشهداً عادياً للوضع الذي سيصل إليه لبنان.