لا يبدو مستغرباً أن تكشف بطلة سباقات الماراثون السابقة الكينية تيغلا لاروب أنها تستمتع حالياً في تأدية «رسالتها» الإنسانية أكثر مما كانت تشعر به لدى تحقيقها إنجازات الفوز وحصد الألقاب. ويقاسمها هذا الشعور العداء الأولمبي الأميركي أدوين موزس، الذي هيْمن على ألقاب سباق ال400 م حواجز مدة تسع سنوات. لاروب سفيرة ال «يونيسيف» للرياضة والسلام وعضو نادي «أبطال للسلام» الذي يضم 54 من عدائي النخبة العالميين، تنشط في مجال التربية والثقافة والسلام في إقليم دارفور. وموزس عضو «أكاديمية لوريوس»، هما وآخرون من شخصيات ناشطة، ضيوف ماراثون بيروت الدولي التاسع الذي يقام اليوم، ويشهد مشاركة حوالى 32 ألف شخص بينهم عداؤو نخبة وسياسيون ورسميون ومشاهير. وكان هذا النشاط حاز العام الماضي «التصنيف البرونزي» من الاتحاد الدولي لألعاب القوى، بعدما أضحى محطة لبنانية دولية على أكثر من صعيد، ويقدم صورة مخالفة للواقع المحلي الصعب. وقدم موزس ولاروب وأبطال أمثال سيمون خوري بطل العالم للتزلج المائي في خمسينات القرن الماضي، وإدوار معلوف «البطل البارالمبي» الذي تحدث عن تحويل الإعاقة إلى طاقة، ونجم كرة السلة فادي الخطيب، شهادات عن تجربتهم وتأثيرهم الايجابي في الجيل الصاعد، خلال «سمبوزيوم» نظمته جمعية «بيروت ماراثون» أمس، وأداره بطل تسلق القمم مكسيم شعيا. وأجمعوا على أن إلهام الآخرين أصعب كثيراً من الفوز والتألق والشهرة ، لا سيما ان بث الحافز لدى الشباب لا يقتصر على المجال الرياضي، بل يتخذ من الرياضة سبيلاً نحو تحقيق الأهداف وسلوك درب النجاح في المجتمع، خصوصاً أن الرياضة «أقنوم موحّد» يستند إلى أنظمة وقواعد يطبقها ممارسوها من دون تمييز وعليهم احترامها. وأرادت جمعية «بيروت ماراثون» من المناسبة بث رسالة «كيف تغيّر الرياضة المجتمعات نحو الأفضل»، وهو ما ينطبق على عملها وإعطائها الشأن الاجتماعي الإنساني حيّزاً مهماً من نشاطها. وبالتالي فإن حدث الماراثون عموماً تحوّل على مرّ سنواته «ربيعاً جامعاً» لفئات المجتمع وأطيافه، خصوصاً أنه يتزامن دائماً مع تشنّج سياسي يفرمل مفاصل البلد، فيكون بلسماً ولو موقتاً ومتنفساً للتعبير بلغة الرياضة والترفيه والالتقاء السلمي. وما تضمنه «السموبوزيوم» من تجارب أبطال ونجوم تنسج على منواله جمعيات كثيرة تشارك في فقرات «الماراثون» للترويج لأهدافها وتسليط الضوء على أنشطتها. ومنها ما هو متعلق باهتمامات صحية أو تربوية، ومبادرات توعية من أخطار الحروب والألغام والعنف والمخدرات. لذا، يستقطب الماراثون مشاركة منظمات دولية مثل اليونيسكو التي تراهن على دور الشباب وزخمه وقدرته على التغيير، وسفارات وهيئات تنموية فاعلة. كما يحرص المنظمون على الجانب التعاوني من خلال رسم مسار المنافسة، إذ يمر المشاركون هذا العام في مناطق تخص 9 بلديات مجاورة للعاصمة اللبنانية. وتعهد كل منها تقديم خدمات معينة، أولاها نظافة الشوارع وتأمين الضيافة، مثل الفواكه والتمر والمشروبات الخالية من أي نوع من أنواع التنشط، فضلاً عن الماء، كما تلحظ منصات للتشجيع ولتقديم فرق عروض موسيقية وفنية ترفيهية. ولفتت رئيسة جمعية «بيروت ماراثون» مي الخليل، إلى أن هذا الحدث وباعتراف المسؤولين «هو نموذج للوحدة الوطنية». وتوضح أن العبرة المستخلصة في ضوء النسخ الثماني السابقة من السباق الذي حشد 175 الف مشارك فضلاً عن الأنشطة الموازية، هي «أهمية الانسان في المجتمع، وأهمية المواظبة والاستمرار في العمل حتى تصير الثمار ناضجة. وحين يؤمن الإنسان بمشروع أو قضية يكون عليه الوفاء لها وإعطاؤها ما تستحق من جهد وتضحيات، فتترسخ الثقة بهذا العمل ما يساعد على تخطي حواجز كثيرة».