عامل فقير من قرية قصية في باكستان قدم للمملكة يطلب لقمة العيش، شاءت الأقدار أن يستقر به المقام بياعاً في بقالة بحي شعبي بمدينة جدة، وقد عرف أهل الحي وعرفوه وأحبهم وأحبوه، يحول لأسرته دراهم معدودة تقيم أودهم ويرسل لوالدته أدوية يشتريها من صيدليات جدة. كم هي بلادنا مباركة تهدي الخير للعالم وتقتات من خيراتها أسر وشعوب في الكرة الأرضية. وذات يوم تلبدت السماء بالغيوم ولحظات؛ وإذ بالسيول تجتاح بقالته وحارته ويصبح الناس شذر مذر، هذا متعلق بشجرة، والآخر بعمود كهرباء، والثالث هارب، والرابع يتدحرج وسط السيول. وعز على العامل البقال صيحات المستغيثين وصرخات الغارقين؛ فهب ينجد هذا وذاك، وتمكن من إنقاذ أربعة عشر شخصاً، وشاءت إرادة الله أن يلق حتفه في ذلك اليوم الحزين وهو يقاوم الأمواج ويترك خلفه في باكستان أسرة فقيرة مكونة من أبوين مسنين وزوجة وثلاث بنات صغار. وتحدث الإعلان عن بطولته وتضحيته، ومضت الأيام ونسى الناس ذاك العامل البسيط فكم من عامل يموت وكم من سعودي يرحل وكم من ملك تخطفه السنون تلك سنة الحياة والنسيان نعمة من نعم الله لتنطوي الأحزان ولا تتعطل الحياة. وفجأة وبينما كنا ننظر في شاشات التلفزة يوم الاستقبال السنوي للحج في منى هذا العام وأمام وفود أكثر من 183 دولة رأينا باكستانياً كهلاً يتقدم ويعانق ولي العهد نايف بن عبدالعزيز عناق وفاء وشهامة، عناقاً تقاطرت دموعه وتأثر الحاضرون والمشاهدون بالمشهد المؤثر. رأينا الدولة تقف تحية لبطولة ذلك الفتى البسيط وتستضيف أسرته في الحج وتمنحه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى وتسمي أحد شوارع جدة باسمه شارع فرمان خان. إنها لوحة وفاء من دولة بقامة المملكة العربية السعودية لعامل فقير ضحى بنفسه لأجل مواطنين عدة، لوحة تعلق برايات وطننا الغالي ويفاخر بها أبناء المملكة في زمان انكشف فيه الولاء والحب بين الشعوب وحكامها. * كاتب تربوي.