انطلقت عروض الدورة الثامنة عشرة لأيام السينما الأوروبية بقاعة «الكوليزي» في العاصمة التونسية يوم السبت الماضي وتتواصل إلى غاية يوم 7 ديسمبر(كانون الأول) المقبل. التظاهرة تشرف عليها مفوضية الاتحاد الأوروبي وسفارات دول الاتحاد في تونس بالتعاون مع وزارة الثقافة التونسية، وذلك بمشاركة أكثر من 21 دولة أوروبية وعربية من بينها المغرب والجزائر وموريتانيا وليبيا. ويتمّ خلال الفعاليات عرض ما يقرب من 50 فيلماً من بينها عروض لأفلام تونسية تقدم لأول مرة. وللمرة الأولى تتوزع عروض التظاهرة في المدن الداخلية، مثل مدن سوسة والمنستير وصفاقس والقيروان وقفصة والقصرين وقابس. فيلم الافتتاح هو»دانتون» شريط من إنتاج فرنسي بولونيّ مشترك أنتج لأول مرة عام 1983 . و»دانتون» كان اسماً لأحد قادة الثورة الفرنسية التي انطلقت شرارتها الأولى في عام 1789 والتي تعدّ من أهم الأحداث ليس في تاريخ فرنسا فحسب بل في تاريخ أوروبا بشكل عام. هذا القائد الثائر انطلق في نضاله من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية بعد أن ساءت الأحوال الاقتصادية في بلده، وأصبحت الحكومة عاجزة عن توفير الغذاء الكافي للشعب. والتف حوله عامة الناس من الذين أبدوا تذمرهم وتمردهم على هذه الأوضاع ورفضهم للنظام الاقطاعي السائد آنذاك. وكان ثمن هذه النضالات حياة «دانتون» الذي تمّ إعدامه صحبة مجموعة من رفاقه بحضور أعداد كبيرة من أبناء شعبه بعد صراع سياسي مع القائد «روبسبيار» أحد معارضي أفكار «دانتون» الثورية. وكان الفيلم فرصة لأن يستعيد كثيرٌ من الحاضرين وبخاصة الشباب أجواء النضال والحماسة خلال الأيام الأولى للثورة التونسية ولاعتصاميْ القصبة الأول والثاني. أفلام تونسية «توانسة علاش وكيفاش؟» أو «تونسيون لماذا وكيف؟» هو عنوان أحد الأفلام التونسية المشاركة في الدورة الجديدة لأيام السينما الأوروبية وهو من إخراج الممثل لطفي الدزيري وعُرضَ يوم الأحد الماضي، وهو عمل توثيقي حاول صاحبه أن ينقل صورة أخرى لتونس الأعماق من خلال رؤيته الخاصة. سعى المخرج من خلال هذا الفيلم التوثيقي إلى الغوص في عمق البلاد حتى ينقل الصورة الحقيقية للشعب التونسي في مختلف مناطق الجمهورية، الشعب الكادح والمهمش في غالبيته. وحاول العمل الإجابة عن بعض الأسئلة من ذلك «هل خانت الثورة الشعب أم سرقت منهم؟» لطفي الدزيري حاول أن يحمل شريطه صوت كلّ التونسيين وبخاصة المهمّشين منهم فجال في أرجاء البلاد وصوّر أكثر من 33 ساعة كما أكد هو نفسه ليستقيم العمل في 37 دقيقة قدم من خلالها معاناة التونسيّ والتونسيّ في أقصى الشمال وفي الساحل وفي ربوع تالة والقصرين حيث اختلط تراب البلاد بدماء أبنائها الذين قدموا أرواحهم من أجل فجر جديد. الشريط كان متواضعاً على المستوى التقني وبخاصة على مستوى الصورة ولكنّ الجمهور تفاعل معه ربما لأنه قدم صوراً حقيقية عن تونس العمق التي سعى النظام السابق إلى طمسها لما يزيد عن عقدين من الزمن. وفضلاً عن شريط لطفي الدزيري تعرض الدورة الجديدة لأيام السينما الأوروبية عدداًَ آخر من الأفلام التونسية وهي «قانون 76» لمحمد بن عطية و»حيرة» لنجوى ليمام سلامة والفيلم الوثائقي «فلاقة 2011» لرفيق عمراني إلى جانب مجموعة أخرى من الأفلام المغاربية منها «حراقة» للجزائري مرزاق علواش و»نبع النساء» وهو من إنتاج مغربي فرنسي و»مسلمو فرنسا» ومن موريتانيا «آخر حلفاء العقيد» و»جبل نفوسة» لزهير لطيف، كما سيتم عرض أحدث أفلام مرزاق علواش الذي يحمل عنوان «نورمال». ويقام على هامش التظاهرة عدد من اللقاءات والنقاشات حول الأعمال المعروضة فضلاً عن ورشات تجمع السينمائيين والنقاد من تونس وأوروبا. وتختتم الدورة الثامنة عشرة من أيام السينما الأوروبية بإسناد جائزتين لأفضل فليم أوروبي وأفضل فيلم مغاربي وذلك في سهرة اختتام عروض العاصمة مساء 2 كانون الأول في قاعة الكوليزي. يُذكر أن أغلب العروض خارج العاصمة تحتضنها إمّا المسارح البلدية في سوسة وصفاقس أو دور الثقافة في باقي المدن، نظراً لعدم توافر قاعات سينما لائقة، حيث انحسر عدد قاعات السينما في تونس خلال الأعوام الأخيرة وأغلق عدد كبير منها ووقع تهميش أخرى فيما لم تول وزارة الثقافة ولا البلديات أي اهتمام بتعهد قاعات السينما القديمة أو التفكير في بناء قاعات جديدة بل إنّ بعض القاعات تهدم أصلاً وهو ما يعيق توزيع الأفلام داخل البلاد، أما في العاصمة فقد بقيت قاعات قليلة جداً صامدة أمام صمت الوزارة وعزوف المتلقّي عنها.