بدا أن الاشتباكات المتكررة بين الشرطة المصرية والمتظاهرين في شارع محمد محمود المطل على ميدان التحرير والمؤدي إلى مبنى وزارة الداخلية مثلت «معضلة» للمسار السياسي لحل الأزمة في مصر. وفشلت كل محاولات الفصل بين الجانبين بعدما تمكن شيوخ في الأزهر من وقف الاشتباك والفصل بينهما قبل أن تتجدد مرة أخرى بعد دقائق من هدنة انهارت سريعاً. وكثف المجلس العسكري مشاوراته مع القوى السياسية لاختيار رئيس حكومة «يحظى بالتوافق الوطني». لكن على ما يظهر لم تؤتِ مساعي السلطة الحاكمة ثمارها بعد أن دعا نشطاء إلى تنظيم تظاهرات مليونية الجمعة المقبلة للضغط باتجاه تسليم فوري للسلطة، تلك الدعوة التي رفضتها قوى التيار الإسلامي. وطالبت قوى سياسية المجلس العسكري بالاعتذار عن أعمال العنف ضد المحتجين التي أدت إلى وقوع قتلى وجرحى بينهم، كما دعت إلى محاسبة المسؤولين عن أعمال العنف هذه. وكانت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الشرطة تواصلت طوال ليل أول من أمس عقب خطاب رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي واستمرت حتى عصر أمس. وتجمع الآلاف في ميدان التحرير مرددين هتافات مطالبة برحيل المجلس العسكري وتسليم السلطة للمدنيين فوراً. وواصلت سيارات الإسعاف طوال ساعات النهار في نقل المصابين إلى العيادات الميدانية في ميدان التحرير. وفيما أكدت وزارة الداخلية أن المواجهات هدفها منع اقتحام مبنى الوزارة برر المتظاهرون وجودهم في شارع محمد محمود بتشكيل «جدار صد» يحول دون وصول قوات الشرطة إلى ميدان التحرير لفض الاعتصام فيه. ونجح أئمة وشيوخ في الأزهر في تشكيل فاصل بين الطرفين بعد أن نظموا مسيرة تمكنت من الوصول إلى تقاطع شارعي محمد محمود ومنصور حيث مقر وزارة الداخلية وأقاموا سياجاً بشرياً بين الطرفين. ورافق شيوخ الأزهر قيادات في الجيش والشرطة، فردد المتظاهرون شعارات «سلمية .. سلمية» و «يسقط المجلس العسكري»، وانسحبت بعدها قوات الشرطة خلف آليات للجيش تمركزت عند بداية سور وزارة الداخلية، وتجمع أمامها ما يقرب من ألف متظاهر وظلوا يرددون «مش هنمشي هو يمشي». وسعى شيوخ الأزهر وبعض الشباب إلى فض التجمع أمام وزارة الداخلية بعد توقف الهجوم على المتظاهرين وحضهم على العودة إلى الميدان لئلا تتكرر الاشتباكات. وانصرف بعض المتظاهرين إلى الميدان، فيما رفض مئات آخرون وظلوا يرددون هتافات معادية للشرطة والمجلس العسكري. وبعد دقائق تجددت الاشتباكات بعد فشل كل مساعي إقناع المتظاهرين بالعودة إلى الميدان وفض الحشد أمام الوزارة. وعاودت قوات الشرطة إلقاء القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين لتفريقهم لتندلع الاشتباكات من جديد أشد حدة. وأعلنت وزارة الصحة ارتفاع عدد حالات الوفيات في أحداث الميدان إلى 35 قتيلاً، بينهم قتيلان في الإسكندرية وواحد في الإسماعيلية وآخر في محافظة مرسى مطروح، فضلا عن أكثر من ألفي مصاب. واعتبر الناطق باسم حركة «6 أبريل» محمود عفيفي أن الهدنة بين الشرطة والمتظاهرين ضرورية، مؤكداً أنه في حال تثبيتها ستصبح خطوة في «الطريق السليم نحو تهدئة الموقف»، لكنه شدد على أنها «لن تؤثر في قرار الاستمرار في الاعتصام حتى تخلي المجلس العسكري عن السلطة وتسليمها إلى مجلس رئاسي مدني»، وهو الطرح الذي رفضه الإسلاميون. وقال المتحدث باسم جماعة «الإخوان المسلمين» محمود غزلان ل «الحياة» إن وقف الاشتباكات ضرورة، مشيراً إلى اتفاق بين الإخوان وكثير من السياسيين مع المجلس العسكري على وقف العنف على اعتبار أن الميدان يجب أن يظل منطقة آمنة وللمتظاهرين الحق في الاعتصام السلمي فيه، وضرورة سحب قوات الشرطة وعدم استفزاز الناس، معتبراً أن وقف الاشتباكات من شأنه تهدئة الموقف، لكنه طالب باعتذار المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن الأحداث والتعهد بتعويض أهالي الشهداء ورعاية المصابين والتحقيق ومعاقبة كل من أمر باستخدام القوة ضد المتظاهرين. ورفض غزلان المطالبة برحيل المجلس العسكري الآن، واعتبر أن «هذه مطالبات غير واقعية تماماً، فلا توجد مؤسسات في الدولة لاستلام الحكم (...) الإخوان يؤيدون رحيل المجلس العسكري في أسرع وقت ممكن لكن بعد بناء المؤسسات وبعدها يترك المجلس العسكري الحكم، وإذا حدث غير ذلك ستتحول البلاد إلى فوضى». وتمنى المتحدث باسم حزب «النور» السلفي يسري حماد تثبيت الهدنة بين الشرطة والمتظاهرين، كما هاجم بشدة المطالب التي تدعو إلى رحيل المجلس العسكري الآن وتشكيل مجلس رئاسي مدني. لكن «اتحاد شباب الثورة» أعلن رفضه التسوية التي طرحها المشير طنطاوي، معتبراً أنها «محاولة لتجاهل مطالب الشعب المصري والالتفاف عليها الذي خرج إلى الميادين للمطالبة بتنحي المجلس العسكري عن الحكم وتسليم السلطة إلى حكومة إنقاذ وطني، تتولى مهام الحكم في المرحلة الانتقالية»، داعياً الشعب المصري إلى التظاهر في «مليونية تنحي المجلس العسكري» الجمعة المقبل في جميع ميادين مصر. وتعليقاً على ما ورد في خطاب طنطاوي حول الاستفتاء إذا لزم الأمر، قال الاتحاد إن «المجلس العسكري لم يأت باستفتاء شعبي للحكم حتى ينادي بإجراء استفتاء حول وجوده في الحكم». وطالب «ائتلاف شباب الثورة» برحيل المشير والمجلس العسكري مع تحميلهم المسؤولية الكاملة عن الشهداء والجرحى، ومحاكمة المتورطين في هذه الاشتباكات وتشكيل حكومة ثورة حقيقية تدير المرحلة الانتقالية بصلاحيات حقيقية وتفويض شعبي وشرعية ثورية حقيقية وتفويض السلطات التشريعية للبرلمان المنتخب، ومنحه صلاحيات رقابية واسعة. وطالب المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح المجلس العسكري ب «الوقف الفوري لحمام الدم في التحرير والميادين الأخرى». وأضاف أنه يتعين أيضاً سحب وزارة الداخلية لقواتها لمسافة مقبولة بعيداً عن ميدان التحرير والمناطق المحيطة. أما على صعيد المشاورات لتشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة عصام شرف التي أعلن المجلس العسكري قبول استقالتها، قال مصدر عسكري مسؤول ل «الحياة» إن مشاورات تجرى في الوقت الراهن لاختيار شخص رئيس وزراء جديد، مشيراً إلى أن المجلس العسكري يسير في اتجاهين في وقت واحد، هما تشكيل الحكومة وتنفيذ الاستحقاق الانتخابي في الموعد المحدد له والمقرر المرحلة الأولى منه الاثنين المقبل. أما على صعيد التحقيقات في أحداث التحرير، فأعلن مساعد النائب العام المصري المستشار عادل السعيد أنه سيتم استدعاء عدد من المسؤولين في وزارة الداخلية للتحقيق معهم في أحداث المواجهات التي شهدها ميدان التحرير ومحيطه خلال الأيام الماضية، داعياً كل من لديه معلومات تساعد النيابة في التحقيقات التي تجريها إلى التقدم بها فوراً.