ضاقت الحلقة حول المجلس العسكري الحاكم في مصر بعد فشل كل محاولات تثبيت هدنة بين قوات الشرطة والمتظاهرين في شارع محمد محمود المطل على ميدان التحرير والمؤدي إلى مقر وزارة الداخلية، وهو أمر زاد من صعوبة التوصل إلى حلول سياسية للأزمة المستعرة منذ السبت الماضي. وفيما تمسكت القوى الشبابية بمطلب تنحي المجلس العسكري فوراً، رفض الإسلاميون ذلك الطرح، معتبرين أنه سيودي بالبلاد إلى «فوضى عارمة». وفي غضون ذلك، أطلق شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب «صرخة» محمّلاً الشرطة والجيش مسؤولية وقف العنف في ميدان التحرير، داعياً إلى «إصدار أوامرهم فوراً بوقف توجيه السلاح» إلى المتظاهرين، محذراً من النتائج الوخيمة للتقاتل بين أبناء الشعب الواحد، كما طالب المعتصمين في ميدان التحرير بالحفاظ على الطابع السلمي للثورة. وقال الطيب إن «الحوار المضمخ بالدم مشؤوم، وثمرته شديدة المرارة في حلوق الجميع»، محذراً من «مصير بائس وكريه للبلاد». وبذل الجيش ومشايخ في الأزهر وسياسيون جهوداً حثيثة للفصل بين الشرطة والمتظاهرين في شارع محمد محمود، ونجحت تلك الجهود بالفعل عند الظهر، لكن ما هي إلا دقائق وانهارت الهدنة، فانشغلت أوساط السياسيين والمجلس العسكري بتثبيت الهدنة من أجل إعطاء فرصة للمسار السياسي لحل الأزمة بعدما علا سقف مطالب المحتجين الذين رفضوا الخطة التي طرحها رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي بجدول زمني لنقل الحكم للمدنيين قبل أول تموز (يوليو) المقبل، وأصروا على ضرورة رحيل المجلس فوراً. وظلت سيارات الإسعاف طوال أمس تنقل المصابين إلى العيادات الميدانية في التحرير. وفيما أكدت وزارة الداخلية أن المواجهات هدفها منع اقتحام وزارة الداخلية برر المتظاهرون وجودهم في شارع محمد محمود بتشكيل «جدار صد» يحول دون وصول قوات الشرطة إلى ميدان التحرير لفض الاعتصام فيه. وعلى رغم تشكيل أئمة وشيوخ في الأزهر «سياجاً بشرياً» بين الطرفين وانسحاب قوات الشرطة خلف آليات للجيش تمركزت عند بداية سور وزارة الداخلية، ما لبثت الاشتباكات أن تجددت بحدة أكبر. وبعد إخلاء قوات الشرطة شارع محمد محمود أقام الجيش حاجزاً من الأسلاك الشائكة في منتصفه للحيلولة دون اندلاع مواجهات جديدة بين الجانبين. وفي محاولة لحل الأزمة، أبدى نائب رئيس المجلس العسكري الفريق سامي عنان استعداده للقاء وفد من المتظاهرين للوصول إلى تفهمات معه. وأفيد بأن عنان اتصل بوزير الداخلية منصور عيسوي وطالبه بوقف إطلاق القنابل المسيلة للدموع، وكلف وزير الصحة بتحليل هذه القنابل وتحديد نوع الغاز المستخدم فيها، بعد حديث نفته الشرطة عن احتوائها على غاز الأعصاب المحرم دولياً. ودعت قوى شبابية إلى حشد مليونية غداً الجمعة من أجل الضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة، لكن الإسلاميين قرروا مقاطعتها. وتباينت مواقف القوى السياسية من الدعوات إلى رحيل المجلس العسكري فوراً أو بقائه، ففي حين أصرت الائتلافات الشبابية على الرحيل فوراً، اعتبر «الإخوان» والسلفيون أن هذه المطالبة «غير واقعية،» وحذروا من «تحول البلاد إلى فوضى» في حال حصول ذلك. وتوارت مشاورات تشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة عصام شرف وراء مشاهد العنف في القاهرة. وبدأت مشاورات تجرى بين المجلس العسكري وقوى سياسية لاختيار رئيس وزراء توافقي. وذكرت مصادر إن المجلس العسكري يسير في اتجاهين هما تشكيل الحكومة وتنفيذ الاستحقاق الانتخابي في موعده المقرر الاثنين المقبل. وفي نيويورك (الحياة) دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأطراف جميعاً إلى «احترام الخطط الموضوعة لإجراء الانتخابات»، مشدداً على ضرورة إجرائها «في أجواء سلمية». وقال المتحدث باسمه فرحان حق ل «الحياة» إن الأمين العام على اتصال مع رئيس المجلس العسكري في مصر المشير محمد حسين طنطاوي وإن الأممالمتحدة غير مطلعة على أي تغيير في جدول إجراء الانتخابات المقرر في مصر. وقال ديبلوماسي غربي رفيع في مجلس الأمن إن بان أبلغ أعضاء المجلس أنه على اتصال مع طنطاوي «خلال مراحل مختلفة»، مشيراً إلى أن تدهور الوضع الأمني في مصر «يفاقم خطر تمسك الجيش بالسلطة فترة أطول مما كان واجباً». وأضاف أن «انفتاح مصر على دور للبنك الدولي وصندوق النقد لربما يؤدي إلى انفتاح مصري أكبر على دور للأمم المتحدة في الانتخابات».