من لا يعرف أنور أبو دراغ الموسيقي العراقي الأكثر رهافة، موقظ الحزن والحلم والسمو في ظرف مقطوعة!، لابد يعرف ما هو أعمق من هذا، أسماء مقطوعاته ربما ف"جي مالي والي" أو "إيحاءات من مقام اللامي" أو "صوفيات الهمايون" أو "عيون حبيبتي" أو ربما "انتظار" كلها أسماء حاضرة، حاضرة!. المؤكد فقط هو صوت جوزته التي أخذته إلى العالمية من أوسع أبواب الروعة، صوتها الذي من المحال أن يمر بك دون أن يستيقظ فيك حلم!. أنور أبو دراغ، قبل سبعة أعوام من الآن -هي عمر موقعه على الشبكة الرقمية- نال اهتمام بسطاء الناس عندنا قبل مثقفيهم، ولعمق حالة الجمال التي صنعها، تذوق الجميع موسيقاه بلا أدنى استثناء وبعمق آسر ولذة لا تُنسى!. فشكرا لله على أنور، وشكرا لله على موقعه. أحترم هذا الرجل، لأنني حين أتحدث عنه لابد سأتحدث عن عظمة الوصول إلى الجميع، عن ذائقة لا تفرق بين الناس مادامت الروح والمشاعر كلها أشياء يتشاركها الكل وتستيقظ في الكل!. إنه مبدع حقيقي لأنه لا ينوي ذلك فعلا حين يفعله. إنه يصل فقط لأن قدره أن يصل وبهذه الكثافة!. أنور يستخدم آلة قديمة قديمة قدم الأساطير والحكايات فالمادة الأثرية تبرهن أن الجوزة آلة أكدية احتفظت بهيكلها حتى اليوم. وما اسمها الجديد إلا اسم استحدث في العراق، وذلك لان صندوقها الصوتي مصنوع من جوز الهند!. إن أنور يعيد لهذه الجوزة حياتها في عالم نسيها تماماً حتى لم تعد تستعمل إلا في العراق مرافقة للمقام فقط لا غير. حتى أتى أنور ليخرجها، من حالة الكتب أو من حالة العراق، ولا فرق بين الحالتين، فكلها وللأسف إبداع مغيب!. كان للموسيقار الراحل منير بشير والفنان القدير نصير شمه الدور الكبير في تكوينه الموسيقي، وذلك حينما عمل أبو دراغ كعازف لآلة الجوزة في فرقة البيارق عام1986والتي أسسها الفنان منير بشير وأشرف عليها الفنان نصير شمة. كما عمل أبو دراغ كعازف لآلة الكمان في الفرقة السمفونية الوطنية العراقية. أما حالياً فيعمل أبو دراغ أستاذا للموسيقى العربية في المركز الثقافي العربي في بروكسل. ويقوم بمواصلة دراسته العليا في العلوم الموسيقية. قدم أبو دراغ عروضه في بلجيكا وهولندا وألمانيا وفرنسا والبرتغال والعراق ولبنان والأردن. كما قدم عروضا موسيقية مع فرق ذات أصول مختلفة كموسيقى الجاز والفلامنكو. وللفلامنكو مع أنور حكاية نغم أخرى، بل لأسبانيا مع أنور حكاية نغم أخرى، فبرغم أنها لم تكن الوحيدة التي دعته لهفا على جوزته وحس مقاماته، إلا أنها الأكثر تأثيرا فيه فبرغم دراسته للموسيقى الشعبية الهندية والتركية واليونانية ومزجه للمقام العراقي بها وتقديمه لها مرارا. إلا أن أسبانيا غرفت من خاطره وغرف منها، تغشته وتغشاها حتى خرج بنظرية تقارب بين الفلمنكو والمقام العراقي. وما ذلك إلى لحنينه إلى العروبة المنسوجة في إبداع أسبانيا وثقافة أسبانيا. أصدر أبو دراغ اسطوانات عدة منها: صوفيات الهمايون، وضفاف النهرين، وقصيدة إلى بغداد، وفي ال 2004أصدر أبو دراغ ألبوماً فيه سبع أغان عراقية شبه منسية من التراث الموسيقي العراقي، قدمها بنظرة موسيقية جديدة. حرر في اسطواناته حالة العزف من جمود المقامات وأكاديميتها لتكون شيئا تسيل له الروح وتفتح لها المدارك والأسئلة.. يأتي البيانو الغربي المصاحب لأنور لنكتشف عمق الصوت العربي في الجوزة وبلاغته. أما القانون والكمان فيأتون ببعد ثقافي غامر وأحاديث وأشعار، أشياء لا تمر ولا تُنسى، ليس وهي تأسر الفضاء وصولا إلى المستمع المغمور حتى آخره!. "إيحاءات من مقام اللامي" أو "انتظار" أو "جي مالي والي" كلها مقطوعات مفضلة بالنسبة لي يجمعها صعوبة وصف الانسجام فيها والحزن الذي يأتي من خلالها فطريا ناعما، وكأنه الحالة الأكثر طبيعية في هذا الوجود!، بل وكأنه الحالة الأكثر قربا من اكتمال الجمال وطهارته، إنها حالة الفرح المتقنع بطفولة نائمة! أو الفرح المنهك في عيون طفولة ستنام!.