لم يعد منتخب لبنان لكرة القدم مكسر عصا بل تحوّل خلال فترة وجيزة إلى محور اهتمام الناس وشاغلهم و«موحدهم» و«ماركة رائجة» للحملات الإعلانية المستوحاة من النتائج التي يحققها ونفحات الانتعاش التي يبثها في النفوس، خصوصاً بعد فوزيه الأخيرين على الكويت (1 – صفر) وكوريا الجنوبية (2 – 1) ضمن تصفيات كأس العالم «البرازيل 2014». فانهالت على لاعبيه المكافآت بآلاف الدولارات، فجنى بعضهم في أيام أضعاف ما يحصله من ناديه على مدى موسم كامل. وللمدرب الألماني ثيو بوكير الملقب ب«صهر العرب» بعدما تزوّج لبنانية قبل أعوام، اليد الطولى في هذا التألق. وقد ذكّر من وصفه ب«المجنون» حين قبِل مهمة الإشراف على المنتخب في ضوء وقوعه في مجموعة «صعبة» قياساً إلى أحواله الفنية، تضمه إلى كوريا الجنوبية والكويت والإمارات، أنه أوضح أن لبنان قادر على تحقيق مفاجأة، وقد اقترن القول بالفعل، إذ بات على مشارف التأهل إلى الدور الرابع الحاسم من التصفيات الآسيوية للمونديال، ويبلغ رصيده 10 نقاط متخلفاً عن كوريا بفارق الأهداف. نجح بوكير، القريب إلى القلوب، في ترسيخ روح قتالية نفحها في لاعبيه وتوليفة نسجها من منطلق خبرته الطويلة في البلدان العربية، وتجربته السابقة قبل نحو عقد في لبنان (تولّى زمام المنتخب وكاد يبلغ الدور الحاسم أيضاً من تصفيات مونديال 2002 ثم فريق الحكمة). ويقول: «أحاول أن أقدّم لهذا البلد أكثر مما لديّ، سأعطي من قلبي وعقلي وجسدي، أنا أحب أن أكون فخوراً بلبنان، وبكرة القدم اللبنانية، وأكره تهميش دوره على هذا الصعيد، عندما يتحدثون عنه فإنهم يتحدثون باستهزاء، فامتعض من هذا التصرف، لأن لبنان في نظري بلد التقدّم والحضارة والتاريخ والحياة، ولديه لاعبون هم برأيي أفضل بكثير من الموجودين بعض البلدان المحيطة به، يتمتعون بقدرات وفنيات، تصنفهم على أنهم الأفضل في المحيط العربي القريب.. هناك إمكان لتطوير قدرات اللاعب اللبناني، لكننا في حاجة إلى وقت، سنحاول أن نحسّن الأداء ونطوّره خلال هذه الفترة القصيرة، يمكن أن نخسر أو نفوز لكن الأهم أن تتم المسألة بتضافر جميع الجهود». في مهمته الجديدة لم يأتِ بوكير بشيء من عدم، فمن سبقه وتحديداً المدرب إميل رستم زرع وجهازه الفني «بذوراً» على رغم إمكانات معدومة ومواجهة معارضة و«حروب» قسم من أعضاء اللجنة العليا لاتحاد كرة القدم كادت تقسمها. كان العلاج مجيء بوكير «مخلصاً»، فلُبيت طلباته واستقامت الأوضاع! هكذا باتت أخيراً أحوال المنتخب ونجومه الشغل الشاغل لوسائل الإعلام التي قدمت أخباره على كل ما عداها في بلد «يغلي» سياسياً ومنطقة فوق «صفيح ساخن». ولما سأل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لدى استقباله والوزراء في السراي اللاعبين عقب الفوز على كوريا، من منكم سجل الهدف. ردوا جميعاً «كلنا سجلناه» فأجابهم «هذه رسالة على الجميع التمثّل بها». وإذا كانت المدرجات أضحت خير تعبير عن واقع الحال و«الحقيقة الجامعة للشعب اللبناني بمختلف فئاته وأطيافه»، فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري افتتح جلسة الأسئلة والأجوبة البرلمانية الأربعاء الماضي مشيداً بالمنتخب وداعياً إلى بادرة توحّد العقول على غرار ما وحّدته الأقدام. في المؤتمر الصحافي الذي تلى الفوز على كوريا، بدا بوكير فخوراً بما تحقق «لأنه لم يعد مجرّد صدفة أو مفاجأة مكررة بل ردم فجوة في فترة قياسية وبات فريقي نداً خطراً في مجموعته». وأضاف: «حين أتحدث عن الكرة اللبنانية يكون ذلك من منطلق خبرتي لاعباً ومدرباً في ألمانيا وبلدان عربية عدة وإطلاعي على أوضاع اللعبة في آسيا وتطورها. أنا واقعي ولا أذرّ رماداً في العيون أو أقصد الإثارة وبث الحماسة». وكشف ل«الحياة» أنه سيركز في الفترة الفاصلة عن المباراة الأخيرة مع الإمارات ضمن الدور الثالث 29 شباط (فبراير) على تحصين الصفوف وتعزيزها بمميزين من «المنتخب الأولمبي» وربما بلاعبين «سوبر» من المغتربين إذا وجدوا، «لأني لا أريد أن أضم لاعباً من الخارج بقدرة نظيره المحلي أو أفضل منه بنسبة ضئيلة. وأنا أفضّل أسلوب الدفاع والهجوم معاً وتقليص المساحات وطبعاً يتطلب ذلك لياقة عالية وستكون شغلنا الشاغل، ونرسي قواعد للمستقبل فأمامنا أيضاً استحقاق تصفيات كأس آسيا 2015». ويضرب بوكير مثلاً بالمدرسة الألمانية، مشيراً إلى أن «المانشافت» يشارك منذ أكثر من 50 سنة في نهائيات المونديال «وحقق اللقب 3 مرات، وذلك بفضل طريقة خاصة يتبعها، عمادها التزام اللاعبين في الأندية والمنتخبات بأعلى درجات الانضباط، وإذا عملت في أي مكان بهذه الطريقة، فإنك ستصل من دون مبالغة إلى ما تريد، خصوصاً إذا توفر الأشخاص الذين يعملون في شكل منظم، وبجهد وانضباط كاملين... هذا ما يمكن تحقيقه بشيء من الإيمان والحوار والثقة، وتوافر هذه العناصر يضمن النجاح». وشكر بوكير رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لحضوره المباراة ونزوله أرض الملعب لتهنئة اللاعبين، لافتاً إياه إلى أهمية عودة الجمهور إلى الملاعب والدور الذي تؤديه الرياضة «في جمع الكلمة والألفة، والدعاية الإيجابية في الخارج وانعكاسها على السياحة وتحريك الاقتصاد». كما أشار إلى الدور المميز للاعبين المحترفين في الخارج، وعددهم 7 حالياً وقد يرتفع في الأيام المقبلة في ضوء الأداء الجيد خلال مباريات المنتخب، مشدداً على ضرورة أن ترفع الأندية مستوى المنتخب وليس العكس كما هو حاصل حالياً، أي أن يكون الدوري اللبناني مخرّجاً للنجوم والمواهب بحيث يضم سبعة فرق على الأقل تتنافس على الصدارة، وتسعى الأخرى للحاق بها، لا أن تكتفي بالبحث عن طوق نجاة من الهبوط أو الاقتناع بمركز دافئ في وسط الترتيب العام.