«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسر حارب : حكومات عربية تخاف من الكتب أكثر من «المخدرات»
نشر في الحياة يوم 15 - 11 - 2011

هو كاتبٌ مِن الإمارات العربية المتحدة في العقد الثالث من عمره، عندما تقترب منه «يأسرك» بتفاصيله و يجعلك «تحارب» لتصل لغاياتك وأهدافك، يقول عن نفسه «أحمل وطني في داخلي أكثر مما يحملني في داخلهلا أدعي بأني أحمل همّ الأمة، ولا أرنو إلى إصلاح المجتمعات، وكل ما أطمح إليه هو أن أعرف أكثر مما أتمنى، و لو قُدّر لي أن أعلم الناس شيئاً فأريد أن أعلّمهم كيف يفكرون». خرج في رمضان الماضي ببرنامج ثقافي بعنوان «ما قل ودل»، أخذ على عاتقه أن يبحث عن الحقائق حتى وإن كانت مؤلمة، فآلام الإنسان تصيغ آماله.
لا يؤمن بالتصنيفات والمذاهب، ولا تهمه عقائد الناس بقدر ما تهمه أفعالهم. يعيش ليكتب، ولا يكتب ليعيش.. على رغم حداثة سنه إلا أن له رؤية يستطيع من خلالها أن يقدم للغرب صورة ولو مختصرة عن العقل العربي. على رغم تفاصيله الهادئة إلا أن جبروتاً من حق يسكن داخله لكنه لا ينفجر إلا لخير، من يقرأ رسائل عشقه يوم الخميس يدرك أي صراع تعيشه تفاصيله بين عقله وقلبه، حتى في حبه يتجاوز المألوف ليصل بك إلى اللا معقول، وهذه دعوته للكل أن يخرج عن القالب ويشكل لنفسه أجمل حقيقة... فإلى تفاصيل الحوار:
بين عسكرية أبيك وعقله المفكر...ورسومات أخيك و«فريجه» الساخر..أين تجد نفسك بين هذه التركيبة؟
- عسكرية أبي التربوية علمتني الانضباط في الحياة، وعقله علمني الانفتاح عليها. كنتُ أراه يكتب ويقرأ كل يوم، ولا يكاد يمر يوم إلا ويدخل البيت وفي يده رزمة من الكتب التي أصبحت تملأ ثلاث غرف في المنزل. أما محمد فهو ليس أخي، بل ابن عمّ، ولكن علاقتي به أشبه بالأخوة، وأظن أنني أشترك معه في حب الإمارات وفي رغبتنا الشديدة في حمل تراثها إلى العالم من حولنا.
وجود سعيد حارب في حياتك هل اختصر عليك الطريق أم زاد الأمور صعوبة؟
- اختصره داخلياً وصعّبه خارجياً، ففي الداخل كان أبي موسوعة «ويكيبيديا» المنزلية، حتى قبل ظهور الإنترنت، كنا وما زلنا نلجأ إليه في كل ما أشكل علينا فكرياً وثقافياً، أما خارجياً فقد صعّب علي شقّ طريقي الفكري بحرية، إذ ان الناس كانت تتوقع مني أن أكون نسخة مكررة أو مطورة منه، وهذا ما يرفضه هو وأرفضه أنا أيضاً.
أختلف معي أبي كمفكر في العديد من القضايا، ولا نكاد نجتمع للغداء يوم الجمعة إلا وتبرز قضية خلافية «فكرية» بيني وبينه، أما أمي التي لها أثر كبير في تكوين شخصيتي، فإنها تشارك في تلك النقاشات الأسبوعية أيضاً وتضيف إليها الجانب الروحي من الحياة. علّمتني أمي ألا أكره من يختلف معي، وعلّمني أبي أنه ليس بالضرورة أن أختلف مع من يكرهني.
القبلية والحرية
أنت رجلي قبلي..لكنك لا تستخدم اسم قبيلتك..هل هذا نوع من الحرية الجديدة؟
- لا أستخدمه لأن قبيلتي هي العالم أجمع، هي المكان الذي أجد فيه من يحبني وأحبه. أحب قبيلتي التي أنتسب إليها ولكنها لم تسهم في تكوين شخصيتي، وربما لأن التأثير القبلي على الإنسان الإماراتي ليس كبيراً، وتلك نقطة إيجابية، إذ التميز عندنا، غالباً، يعتمد على عملك قبل اسمك. الولاء والانتماء عندنا في الإمارات للوطن قبل القبيلة.
لماذا لا يشعر الشباب الخليجي بمجلس التعاون ولا يفعل شيء لأجل المتغير السياسي..؟
- لأن مجلس التعاون أثبت منذ تشكيله أنه مجلسٌ للمجاملات والتواصل الاجتماعي، وهو أمرٌ محمود وضروري، ولكن علينا ألا نحمّله توقعات وآمالاً أكبر مما رُسِمَ له. ومن الخطأ أن نقارنه بالاتحاد الأوروبي كما تفعل بعض النخب الفكرية في المنطقة، وإن أردنا أن نشكّل تكتلاً اقتصادياً كأوروبا فيجب إعادة هيكلة المجلس الحالية وإعادة رسم أهدافه الاستراتيجية وتكوين منظومة جديدة قائمة على التكامل الاقتصادي أولاً.
أما بالنسبة للمتغير السياسي فالشباب لا يُشاركون في صناعة القرار السياسي في «معظم» بلدان الخليج، ولذلك فإنهم لا يشعرون بأهمية المتغيرات السياسية من حولهم على رغم تأثرهم بها.
الربيع العربي كان خلفه شباب متحمس.. هل من خوف على خليجنا من تجارب مشابهة؟
- عندما نسمع الخليجيين وهم يتحدثون عن الربيع العربي نكاد لا نجد من يطالب بإسقاط نظام دولته، بل الغالبية تتحدث عن تطوير الأوضاع الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة ومكافحة الفساد وتوسيع المشاركة السياسية.
ولكنني أعتقد أنه لو تم تجاهل هذه المطالب في السنوات الخمس المقبلة فقد تظهر فئات، من هؤلاء الشباب أنفسهم، للمطالبة بتغيير نظام دولتها والإطاحة به. فلا يمكننا أن نتصور أن يقبل شاب قارب ال35 ويتواصل مع زملائه في الدول الديموقراطية وذات الأنظمة السياسية المتقدمة أن يعمل صامتاً في مؤسسة حكومية دون أن يشارك في تطويرها ورسم خططها وانتقادها عندما تخرج عن المسار الصحيح.
ولن تقبل الفتاة التي تتواصل مع مثيلاتها في أصقاع العالم المختلفة بأن تكون «مواطنة درجة ثانية» تحتاج إلى مُعرّف ووصي كلما أرادت أن تفعل شيئاً.
لا أحد يستطيع تصنيف قلمك.. هل تلك نعمة أم انسلاخ هوية؟ وأين تجد نفسك .. مثقفاً نخبوياً أم كاتباً شعبياً؟
- بل نعمة انسلاخ الهوية. فإن كانت هويّتي ستصنّفني فلا أريدها، هويّتي العالم، وجواز سفري هو قلمي الذي لا يملك الصفة الديبلوماسية، ولا يحمل على ظهره حقيبة مليئة بآلام أمّته. لا أدعي بأنني أحمل همَّ الأمة، بل همّ عقول أفرادها. لا أحب النخبوية حتى لا أكون كالواقف فوق جبل، يرى الناس صغاراً ويرونه صغيراً، ولا أريد أن أكتب مِن قاع المجتمع حتى لا أجرّه إلى القاع. أكتب لكي أفهم، ولكي ألزم نفسي بالقراءة. أكتب للشباب من سن العشرين إلى الأربعين.
المثقف والسلطة
ما العلاقة المثلى بين المثقف والسلطة.. هل تشعر يوماً أنك قادر على مواجهة السلطة بقلمك أم هناك حسابات لا بد منها؟
- لا أحب الصدام مع السلطة ولا أحب مجاملتها، وأؤمن بالمقولة القديمة: «السلطان كالنار، إن اقتربت منه تدفأت، وإن ازددتَ قُرباً احترقت» وأعتقد أن أي مشروع لتطوير أي بلد لن يجد طريقه إلا إذا قُدّم إلى السلطة في طبقٍ أبيض يفتح الشهية، وليس في طبق أسود تملؤه الأشواك والطعام النييء.
المتابع لك في تويتر يلحظ أنك تترجم كل تغريداتك إلى الإنكليزية.. هل هو نوع من الجهوزية للعالمية ..أم أنه حساسية تجاه وحدة اللغة؟
- كُنتُ أكتب باللغة العربية فقط حتى تبعني في تويتر الروائي البرازيلي باولو كويلو، فاتفقنا على أن أغرد بالإنكليزية إلى جانب العربية لكي يستطيع تقديمي للقارئ العالمي، فوجدتُني مستمتعاً بالتعرف على أناس من مختلف أصقاع العالم. لي اليوم صداقات في سيبيريا، والأرجنتين وهونغ كونغ ونيويورك وغيرها. كما أنني بدأتُ أستوعب مفاهيم فكرية وأساليب كتابية جديدة: كالاختصار في الفكرة، واستخدام أسهل الألفاظ.
هل من واجبات الكاتب أن يهب الحياة شيئاً من النظام.. وإن بالكذب؟
- يدعو الكُتّاب عادة إلى المثالية، وعلى رغم خلو الحياة والتاريخ من مدن فاضلة، إلا أن الدعوة إليها تخفف من وطأة الظلام في حياتنا. أتت الرسول، صلى الله عليه وسلم، امرأة زانية، وسرقت أخرى، وتآمر عليه المنافقون، واتُهِمَ في عِرْضِه، كل ذلك في وجود الوحي الذي كان ينزل بالقرآن بين الفينة والأخرى، وعلى رغم ذلك لم يتوقف عن الدعوة إلى الخير ونشر القيم، ولا يزال عصره يصنّف بأنه كان عصراً ذهبياً. إذاًَ لا وجود لمجتمع فاضل، بل هناك مجتمع يسعى نحو الفضيلة.
هل قهرَ الرقيب الخارجي رقيبك الداخلي لقلمك؟
- كلا، ولو كان كذلك لما مُنعتُ من الكتابة في صحيفة «الوطن». رقيبي الداخلي على مُعتقدي وليس على أفكاري، فالفكرة فرس جامح، عليك أن تُطلقها حتى تستطيع أن تروضها. لا أتعمد قول أشياء تثير المجتمع، ولكنني لا أتعمد مجاملته أيضاً، فالكاتب الحقيقي هو الذي يخاف على مجتمعه، ليس الذي يخاف منه. أطرح أفكاري وأقبل بالنقاش من دون أن أسأل عن المستوى الفكري لمن يناقشني. فلكل إنسان حقه في قول رأيه فيما أكتب.
في كتاباتك الأدبية بوح ذاتي، والعرق العربي لا يتحدث بسهولة عن هذا الوجع.. فهل اخترت هذا الدرب أم أنه اختارك لتكتبه؟
- عندما أكتب أخلع كل الألقاب والأنساب، إلا لقب الحياء ونسب الأمانة. لا أدري لماذا أكتب، وكم أحب أنني لا أدري.. أكتبُ لأنني أؤمن بأن لكل إنسان قصة جديرة أن تُروى، وإن كانت قصتي أقل تلك القصص أهمية، إلا أنني أبوح بها حتى أتخلّص من أعبائها.
تكتب لها يوم الخميس هل يعني ذلك أن حبك لها في دلو ماءٍٍ مثلجٍ بقية الأسبوع؟
- بل يغلي على نار هادئة حتى إذا جاء الخميس جاش وطاش. ليلة الخميس بالنسبة لي هي ليلة البوح، وفي كل مرة أكتب لها أقول في نفسي: «هذه آخر ليلة»، إلا أن الحب يُملي علينا ولا نُملي عليه، يأتي إلينا ولا نذهب إليه، يقتلنا ولكننا نشتاق له. يسألونني: من هي؟ وأجيب: هي من كلما طال الزمن بيني وبينها قَصرَت المسافة.
المرأة الخليجية
ما مدى رؤيتك للمرأة الخليجية، هل تشعر بأنها نالت الفرصة أم لا تزال أسيرة العادات والتقاليد؟
- كلنا أسرى العادات والتقاليد، الفرق الوحيد هو أن زنزانة الرجال بها شباك مُطل على الشارع ويدخلها ضوء الشمس قليلاً، أما النساء فإنهن في زنزانات سفلية، لا يدخلها إلا ضوءٌ يحمله السجّان «الرجل» في يديه. ليس في كل المجتمعات الخليجية ولكن في بعضها.
ما زلنا نناقش مدى أهمية العادات والتقاليد في حياتنا من عدمها، وأظن أننا نحتاج أن ننتقل إلى مناقشتها واحدة تلو الأخرى بما يتناسب مع العصر الذي نعيش فيه. فلا يمكن أن نلغيها تماماً ولا يمكن أن نقبل بها تماماً أيضاً.
لماذا تشوب فلسفة التعامل مع المرأة توترات معينة؟
- يدخل الطفل المدرسة فيجد فصلاً للأولاد وفصلاً للبنات، وعلى رغم وجود المرأة في المجتمع، إلا أنها تبقى مفصولة عنه طوال دراسته حتى لا تشوب رأسه «أفكارٌ شيطانية». سؤالي هو: هل أدى هذا الفصل «العنصري» بين الأولاد والبنات في المدرسة إلى إبعاد الأفكار الشيطانية من رؤوسنا!؟ لا أؤمن بالفصل بين الجنسين إلا في مرحلة المراهقة، فهي مرحلة التغيرات الجسمانية والعاطفية لدى كليهما، يصعب على الفتيان والفتيات أن يسيطروا على مشاعرهم خلالها.
ولكنني أؤمن أيضاً بأن الفصل الكلي بين الجنسين منذ نعومة أظافرهما وحتى خشونتها تجعل من كل واحد منهما لغزاً لدى الآخر يسعى لاكتشافه، وغالباً ما يتم ذلك بطريقة خاطئة. ولا أعتقد أن الوعظ هو الحل في هذه الحالة، فإذا قارنت الوعظ مع الرغبة الجنسية، فإن الرغبة تتفوق في معظم الحالات، ولكننا نحتاج إلى التربية الصحيحة في الأسرة وفي مؤسسات المجتمع، وإذا وضعت الرغبة والتربية في كفتي الميزان، فإن كفة التربية ترجح في الغالب.
حركة النشر هل تعاني اعوجاجاً في العالم العربي؟
- بعض الناشرين العرب أشبه بتجار المخدرات، يبخسون الكاتب والكِتاب والقارئ حقوقهم على حساب التكسّب. وبعض الحكومات العربية تخاف من الكُتب أكثر من المخدرات، ولا تكاد تفسح كتاباً حتى يمر على عشرات اللجان، الشرعية والأمنية، ويندر أن يمر كتابٌ على لجنة علمية. صار الحصول على فيلمٍ إباحي في بعض الدول العربية أسهل من الحصول على كتابٍ تثقيفي.
لا أؤمن بأن الحل يكمن في النشر الإلكتروني، فقد يساعد في تسويق الكتاب ولكنه لا يغني عنه، وفي الحقيقة فإنني لا أعرف حلاً لهذه المشكلة.
الكتب الإسلامية خاصة الموجهة للغرب ألا تشعر بأن لغتها بالية؟
- جداً، فهي تخاطب القارئ الأجنبي، وغالباً غير المسلم، باللغة التي تخاطب المسلم نفسه مع استثناء بعض الكتب، ولذلك يُساء فهم الإسلام والمسلمين في العالم. هناك تجربة جميلة قام بها أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن الدكتور محمد عبدالحليم، إذ قام بترجمة القرآن إلى اللغة الإنكليزية، وكان كلما ترجم صفحة أو سورة عرضها على طلبته غير المسلمين، ليستمع إلى آرائهم وتقويمهم لترجمته. يقول انه تفاجأ عندما كانوا يفهمون الآيات بصورة خاطئة، فكان يضطر إلى شرحها لهم ومناقشتهم فيها، ثم يعيد الترجمة مرة أخرى ويعرضها عليهم، حتى توصل إلى ترجمة جميلة تعكس الروح السمحة لآيات القرآن الكريم.
نحتاج إلى مجهود مماثل لنقل التراث الإسلامي من قرآن وسنة إلى مختلف لغات العالم.
التصنيفات والمذاهب
عدم إيمانك بالتصنيفات والمذاهب، هل هو هروب بلغة احترافية؟
- بل هو طمأنينة داخلية، فعندما تركتُ الاهتمام بكل شيء عدى عمل الإنسان وقوله وجدتُ نفسي أقرب إلى فهم الآخرين. فما ذنب المسلم الذي ينحدر من عائلة هندوسية، وما ذنب عائلة معتدلة ظهر منها شاب فجّر نفسه في أحداث أيلول (سبتمبر). وكما قال سلمان العودة مرة: «لا تُحمّلوا أبناء المشايخ أكثر من طاقتهم، فليس ذنبهم أنهم ليسوا مثل آبائهم».
لي صديق والده من علماء المسلمين المعروفين، إلا أنه بعيد كل البعد عن توجه والده، حتى إنه توقف عن استخدام لقب العائلة لكي لا يُقال له: كيف تفعل كذا وأنت ابن فلان. أعتقد أنه من السذاجة أن أبحث عن مذهب كاتب ما أو معتقده قبل أن أقرأ أعماله، لأنني إن فعلت ذلك صرتُ أسير أحكام سابقة عليه، وغالباً ما تكون مُجْحِفة.
تعلمتُ من خلال عملي واطلاعي المتواضع أن مذهبٌ الإنسان له وعمله للوطن.
الطائفية ومشكلاتها ألا يستوعبها مشروع إصلاحي إسلامي؟
- بل مشروع تنويري فكري، ينطلق من مبادئ الإسلام الأساسية ولا يحتكم إلى أقوال وممارسات الأولين بشكل مطلق. مشروع يضع كل شيء على طاولة النقد، ولا أقصد هنا النص المقدس، ولكن فهم من كانوا قبلنا لذلك النص، ثم إعادة تأويله بما بتناسب مع واقعنا وتطلعات مجتمعاتنا.
علينا أن نستوعب ظروف مرحلة ما بعد الحداثة ونستخدم أدواتها في بناء هذا المشروع. انظر إلى الحالة الفكرية السياسية في فرنسا وأميركا وإنكلترا قبل الثورة الفرنسية، ظهر مفكرون من أمثال جون لوك ومونتسيكو جان جاك روسو وفرانسيس بيكون وفولتير وديدرو ونيوتن وغيرهم، فتناقشوا وتخاصموا واجتمعوا وألّفوا، حتى تشكلت منظومة فكرية جديدة سُميت مرحلتها ب «عصر العقل» ثم تراكمت على مدار 100 عام وأنتجت علم السياسة الحديث، وأسست لقواعد الديموقراطية. نحتاج إلى شيء شبيه في فكرنا الإسلامي والعربي.
ماذا تقول لمن لا يرون شيئاً سوى أن العالم يتجه للهاوية؟
- العالم قادر على إصلاح نفسه فلا تُنصّبوا أنفسكم قيّمين عليه. كان بعض الناس يعتقدون أن الحرب العالمية الثانية هي نهاية العالم، إلا أنهم اكتشفوا لاحقاً أنها كانت بداية لعالم جديد، صاروا هم فيه الأقوى والأكثر سيطرة. لابد من شيء من الفوضى العالمية حتى يعيد الإنسان مراجعة حياته ومفاهيمه كما حصل في الأزمة المالية عام 2008. العالم لا يتجه إلى الهاوية، بل عقولنا وقلوبنا التي تحرس نشرات الأخبار على مدار الساعة هي التي تهوي بنا كل يوم.
خبا الحلم الأميركي الآن كثيراً، هل السبب نقص الفرص أم ضحالة التقاليد والثقافة التي تدعمه..؟
- عندما توسّعت الإمبراطورية الإسبانية بعد سقوط الأندلس، فحكمت العالم من أميركا وحتى شرق آسيا سقطت أمام أسطول إليزابيث، وعندما توسعت الإمبراطورية الإنكليزية بعدها بنفس الطريقة سقطت. إن شدة السقوط تماثل سرعة التوسع، ولا أقصد هنا بأن أميركا ستسقط، فلو حصل ذلك فسنسقط كلنا خلفها في الهاوية، فالعالم اليوم صار معتمداً عليها كليّاً، ولكن ربما يكون انحسار الحلم الأميركي بداية لانحسار تأثير دورها الريادي على مستوى العالم.
المشكلة هي أنه لا يوجد بديل لما تقدمه أميركا للعالم، وأقصد به «المعرفة». فقد تجد كل بضاعة تريدها في الصين، لكنك تذهب، غالباً، إلى الجامعات الأميركية للدراسة، وتقرأ الكتب المنشورة على أمازون، وتتابع الصحف الأميركية، وتنتظر العقارات الطبية من أميركا. إذا نجت أميركا من سقوط قريب فسيكون السبب هو المنظومة المعرفية الصلبة فيها، وليس أي شيء آخر.
الأمن الفكري
«الأمن الفكري» هل يتطلب تحقيقه تكثيف المحاورات والمؤتمرات.. أم أن هناك أمراً لم ندركه بعد؟
- بل تحقيق الانفتاح. دع الناس تفكّر وتجرّب وتخوض المعارك الذهنية بينها وبين أنفسها وبين الآخرين، حتى يصل المجتمع إلى مرحلة التسامح القصوى، وهي المرحلة التي يُقيّم فيها الإنسان بعمله وإنجازه وليس بأي شيء آخر. لم تُخلق العقول لكي تُراعى مثلما تُرعى البهائم، بل خُلقت لكي تنطلق وتفكّر وتضجّ فيها أصوات الأفكار المتعاركة.. العقول ساحات حربٍ خصبة للأفكار، وكلّما تعاركت الأفكار في داخل الإنسان، عَمّ السلام خارجه.
«من حوار الحضارات إلى التواصل الحضاري»، كيف لنا تفعيل هذا العنوان ؟
- نخلط كثيراً بين الحوار وبين الدعوة، فالدعوة للإسلام لها مجالٌ وظروفٌ تختلف عن دواعي حوارات التواصل الحضاري. نريد حواراً من أجل التقارب وليس من أجل التماهي، فمعظم حواراتنا مع الآخر ترنو إلى هدف إقناعه بمعتقدنا أو بثقافتنا، أو من أجل تفنيد ثقافته. الحوار الحضاري ليس الذي يدفعنا لإيجاد أرضية مشتركة بين طرفين مختلفين، لكن لدفع كل طرف لاحترام الطرف الآخر، بعيوبه وبمحاسنه.
ما السلاح الحضاري الأقوى.. الدين أم السلاح؟
- المعرفة، فبها يُوظَف الدين بالطريقة الصحيحة، وبها يُدَجَّن السلاح.
كيف يتأتى لنا أن نطرح «الإسلام» كمشروع في الحركة الإصلاحية لأوضاع العالم المتردية؟
- إحدى مشكلاتنا هي هذا الطرح، أي أدلجة الإسلام ليقابل الشيوعية والرأسمالية، وفي الحقيقة فإننا بذلك نُقزّم الإسلام ونضعه في خانة الأيديولوجيات القابلة للنقد والنقض، ثم نسعى جاهدين لإقحامه عنوة في السياق الفكري البشري. كأن نقول: «حل المشكلة المالية يكمن في الاقتصاد الإسلامي»، ثم عندما ننظر إلى منظومة الاقتصاد الإسلامي نجد أنها تفتقر إلى تشريعات ومؤطرات ونظم كثيرة، فلا تكون مؤهلة لكي تُطرح كنظام عالمي. المشكلة هنا ليست في الاقتصاد الإسلامي، لكنها في القائمين عليه، حيث إنهم لم يستطيعوا أن يستوعبوه في منظومة الاقتصاد العالمي، ولو أنه نال حظه من التنظيم فلربما استطاع أن يؤثر بشكل كبير.
بصورتنا الحالية.. هل استطعنا الوصول إلى مرحلة تفاهم مع العالم؟
- قد يبدو كلامي هنا مبالغاً فيه، لكنني أعتقد أن الجيل العربي الجديد استطاع من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أن يعكس الصورة المشرقة للإسلام أكثر مما استطاعت النخبة الإسلامية أو العربية أن تفعل.
أولاً: لأن الجيل الجديد غير مؤدلج كالنخب، ولذلك فإنه ينطلق من قناعاتٍ إنسانية مشتركة مع الآخر.
ثانياً: لأنه استوعب أدوات ما بعد الحداثة، وصار يشترك في الأجيال الصاعدة في مختلف بقاع العالم في الاستفادة منها والاستمتاع بها.
ثالثاً: لأن العالم أصبح مسطحاً أكثر مما ينبغي، فما يجري في نيويورك اليوم يتحاور حوله مجموعة شباب في مجلس صغير في القصيم.
دبي المدينة الأكثر مثالية من المثالية ذاتها... كما تقدم نفسها للعالم... أتراها ساحرة في إظهار ما يود الناس رؤيته؟
- قد لا تكون تجربة دبي تجربة مثالية، ولكنها كسرت حاجز الخوف والتردد لدى المواطن العربي. أشبهها بثورة 25 يناير؛ إذ منحتنا الثقة بأن التغيير ممكن إذا أصر الإنسان عليه. حاول أن تُقارن دبي بلندن وباريس، عندها لن تجد فيها الجو الجميل والمتاحف العريقة، ولكنك ستجد فيها بنية تحتية أفضل، وخدمات حكومية أكثر رقياً، وسهولة في التعامل مع الناس من حولك.
علمتنا التجارب في دبي أن مَن يُقدم ويكون على خطأ خيرٌ ممن يُحجم ويكون على صواب؛ فلقد اجتهدنا عندما تكاسل الآخرون.
دبي تلك الإمارة التي تراها أنت أمتك... لماذا تحيطها بهالة التقديس؟ ماذا عن تقدمها العمراني إزاء تفرق معادلات السكان فيها؟!
- نعترف بخلل التركيبة السكانية في الإمارات، مثلما هناك خلل مشابه جداً في قطر، ولكنني أعتقد أنه علينا أن نتعلم كيف نتعايش مع ظروفنا الجديدة ومع القادمين الجدد بصورة تحفظ حق المواطن، ولا تبخس حق المقيم.
السعوديون والعالم
السعوديون يهيمون بتجربة دبي بل يشاركون فيها، ومع ذلك لا يستطيعون تطبيقها في مجتمعهم... لماذا في رأيك؟
- السعودية قارة مترامية الأطراف فيها من الكفاءات والطاقات البشرية ما يشكل رصيداً حضارياً للسنوات المقبلة، ولكن هذه الأجيال الصاعدة تحتاج إلى الفرصة لكي تبدع.
أي الأبواب أسرع لنصل بالتفكير الإبداعي إلى العقل؟
- احترام العقل، وكسر قيد السلطتين السياسية والدينية، وتوفير فرص، ليس لمَن يريد التعليم فقط؛ فهناك فرص كثيرة، ولكن لمَن يريد أن يشارك في تنمية وطنه. وبالمناسبة، فإنني من خلال احتكاكي بالشباب من الجنسين انبهرتُ بجيل يحمل روح الإبداع ومقوماته، ولكنه يحتاج إلى فرصة، ويكفي دليلاً على ذلك المجموعات التطوعية التي رأيتها وقرأت عنها في جدة مثلاً.
سيرة ذاتية...
باحث وكاتب في مجال الإدارة والاقتصاد والتخطيط الاستراتيجي والتنمية الإنسانية في جريدة البيان الإماراتية و«الوقت» البحرينية.
المؤهلات العلمية والأنشطة
- تخرّج من جامعة الإمارات العربية المتحدة تخصص نظم المعلومات الإدارية.
- تخرج من برنامج محمد بن راشد آل مكتوم لإعداد القادة، وقد تدرب في جامعة إنسياد في فرنسا، واختير ليكون نائب المدير التنفيذي بمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم لقطاع الثقافة.
- اضطلع منذ انضمامه للمؤسسة في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2007، بدور حيوي في دعم وتنمية برامجها ومبادراتها على المستويين المحلي والإقليمي.
- أشرف على إطلاق عدد من البرامج الثقافية والفكرية المهمة ومن بينها برنامج «اكتب» المعني بتشجيع مجالات التأليف والكتابة في العالم العربي، وحفز الشباب المبدع الطموح على التأليف في شتى المجالات، وبرنامج «ترجم» الذي يهدف إلى إثراء الثقافة العربية بالعلوم والمعارف القيمة من الثقافات الأخرى عبر مجموعة من التراجم.
الخبرات الوظيفية
- عمل في العديد من المناصب الحكومية في حكومة دبي، كحكومة دبي الإلكترونية، ثم المكتب التنفيذي لحاكم دبي ثم المجلس التنفيذي لإمارة دبي.
- عمل مديراً للمشاريع الخاصة في المكتب التنفيذي في دبي.
- شغل أيضاً منصب المنسق العام للمنتدى الاستراتيجي العربي خلال دورته للعام 2006.
- في بدايات حياته العملية في دبي، عمل مديراً للمشاريع في حكومة دبي الإلكترونية، ثم انتقل إلى معهد دبي لتنمية الموارد البشرية كمدير للدعم المؤسسي والتسويق.
- عضو في مجلس إدارة هيئة الثقافة والفنون بدبي، الهيئة المعنية بتعزيز مكانة دبي كمركز عالمي .
- عضو في مجلس إدارة كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة الإمارات.
- رئيس مهرجان دبي الدولي لكتاب الطفل، وعضو اللجنة التنفيذية لجائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة، وعضو في اللجنة العليا للإعداد لمهرجان دبي الدولي للشعر، وتقديم الدعم الاستراتيجي للأمانة العامة للمجلس التنفيذي.
المؤلفات
- لديه مؤلف بعنوان «نحو فكر جديد»، يتحدث فيه عن التنمية الإنسانية في العالم العربي، وكتاب بيكاسو و ستاربكس وعلى لسان الطائر الأزرق.
لا أدعو إلى فصل الدين عن الحياة... ولكن إلى عملية مشابهة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.