أوجد خوض تجربة التغطية الصحافية لفعاليات موسم الحج في الأعوام الماضية توجهاً لدى بعض المنتسبين لهذه المهنة للامتناع عن إعادتها مرة أخرى وإن كان العائد المادي مجزياً، نظير ما يترتب على التقاط الأخبار والتقارير والقصص الخبرية من أفواه وحكايات الحجاج من معاناة بالغة يشكل انعدام المواصلات التي تحد من تنقلاتهم مشياً على الأقدام لمسافات طويلة تصل إلى عشرات الكيلو مترات يومياً عاملاً رئيساً في هذا الجانب، إضافة إلى أن قطع هذه المسافات ليس للنزهة أو إتمام عمل ميداني موقت بل يرافقه عصف ذهني لصناعة المادة الصحافية لعلها ترضي غرور رؤساء بعثاتهم وتقدم للقارئ كل صباح ليصدر هو الآخر حكمه على جودتها. الصحافي محمد المرعشي من الزميلة الوطن قال ل «الحياة»: «من المفترض توفير وزارتي الإعلام والحج للإعلاميين البيئة الملائمة التي تسهم في أداء رسالتهم على أكمل وجه، وإشعارهم أن هناك من يعمل على مساعدتهم للتغلب على الصعوبات التي تجابههم»، مبيناً أن الصحف المحلية التي تعمل على تغطية أحداث موسم الحج سنوياً لا تتجاوز الثماني صحف، مؤكداً أن ثقافة التعامل مع الإعلاميين معدومة، ويرى من الأهمية بمكان تعزيز التوعية الإيجابية تجاه رجال الصحافة والإعلام. وعلى رغم اعترافه بوجود متعة في العمل الصحافي الميداني، إلا أن أحد الصحافيين بجريدة الشرق الأوسط علي شراية شدد على أن زيادته فوق الحد المعقول يحوله إلى معاناة وصفها ب «الصعبة»، مبيناً أن برنامجهم اليومي في المشاعر المقدسة ينطلق مع ساعات الصباح الأولى ويستمر حتى ساعات متأخرة من الليل، يبدأ بالبحث عن المادة وسط الحشود البشرية التي تقدر أعدادها بالملايين وليس المئات أو الآلاف، ما يفهم منه أن الصحافي يبذل قصارى جهده العقلي والبدني لعله يستخرج شيئاً يؤهله لمنافسة زملائه. وأشار شراية إلى أن خروج الصحافي للميدان بهدف مرسوم في مخيلته يلزمه مساحات من الوقت يقضيها في المشي للوصول إلى مبتغاه، أما القصص الإنسانية في صفوف الحجاج فتتطلب جهداً مضاعفاً والتنقل من مخيم إلى آخر ومن موقع إلى مثله للتحدث مباشرة مع الحجاج ما يجعله أكثر من غيره عرضة للإصابة بالأمراض والأوبئة إذ من المعروف انتشار الوبائيات في هذا التجمع. وتابع: «عقب هذه الجهود يعود الصحافي إلى مقر بعثته ليجده غير مهيأ بالشكل الذي يمتص الأتعاب ويصطدم بدورات المياه مثلاً مزدحمة فضلاً عن الضوضاء الصاخبة الصادرة من الحجاج مع بعضهم إلى جانب أصوات المركبات التي تعكر صفو مزاجه ما ينعكس على سوء ترتيب الأفكار وكتابة المادة التي يعشم في المنافسة بها، معتبراً أن الصحافيين الذين لا توجد لديهم الرغبة في تغطية موسم الحج حصدوا راحة أبدانهم وأدمغتهم مقابل تفكير يشغل عقول الميدانيين على مدار الساعة في هذه التظاهرة الموسمية الضخمة. ويرى شراية أن وجود مركز إعلامي مختص وتوافر السكن والمواصلات يعدان العلاج المناسب لهذه المشكلة واجتثاثاً للمعضلة من جذورها. أما سعد العنيني من صحيفة المدينة سبق له المشاركة في تغطية فعاليات هذه الشعيرة من داخل المشاعر المقدسة عامين على التوالي، لخص مجموعة صعوبات واجهته في المرتين تمثلت في عدم توافر البيئة المناسبة لتأدية الرسالة المطلوبة، وقال لاحظت العام الماضي أن البيئة غير مهيأة لإنهاء مهمتنا بالشكل المطلوب، والآن قبل مجيئي إلى الأراضي المقدسة مع بعثة جريدتي كنت أقول في نفسي لعل الوضع تم تحسينه إلى الأفضل، بيد أنني ذهلت حينما وجدت الحال هو نفسه معاناة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، إذ لم يتغير شيء، مصرحاً بأن مشاركته العام المقبل مستبعدة تماماً في حال سار الوضع على ما هو عليه، وإرجاؤها إلى حين توافر البيئة المناسبة للمهمة التي سيقدم من أجلها.