«حرس الجامعة بره بره... جامعات مصر هتبقى حرة» «أول مطلب للطلاب... أمن الدولة بره الباب». قد يكون أول مطلب، ليس للطلاب فقط، لكن لأساتذة الجامعات كذلك، على الأقل أصحاب الفكر الليبرالي منهم، لكن تحقيقه بالشكل الذي يرضيهم ما زال حلماً لا يلوح في الأفق القريب بشكل جدي. الصولات والجولات التي يقوم بها عدد من أساتذة الجامعات المصرية الحكومية الممتعضين من الوجود الأمني الصريح في داخل حرم الجامعات أسفر عن هدف نظيف سجلوه في مرمى الدولة. فقبل أيام قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى المرفوعة من قبل عدد من الأساتذة، وإلزام جامعة القاهرة بإنشاء وحدة للأمن الجامعي بدلاً من حرس الجامعة. وقضت المحكمة بقبول دعوى إلغاء القرار السلبي بامتناع الجهة الإدارية عن إسناد وحدة للأمن الجامعي تكون تابعة لإدارة الجامعة، وليس لوزارة الداخلية. وبمقتضى هذا الحكم، فإن جامعة القاهرة ملزمة بإنشاء وحدة للأمن الجامعي في داخلها بدلاً من حرس الجامعة، مع إخراجه من الحرم الجامعي. إلا أن المتابعين والمعايشين لطبيعة سير العمل والحياة في داخل أسوار الجامعات يشككون كثيراً في إمكان تحقيق حلم «إلغاء حرس الجامعة». يقول محمد حلمي (28 سنة) خريج كلية الحقوق-جامعة القاهرة إنه لا يتصور الجامعة من دون «الحرس»، «فالحرس ليس مجرد مجموعة من رجال الأمن المطلوب منهم الحفاظ على أمن الجامعة وطلابها والدارسين فيها، لكنهم متغلغلون في أدق تفاصيل الحياة اليومية في الجامعة، فهم يعيشون بين الطلاب وبين الأساتذة في قاعات الدرس والكافتريات وأحياناً في داخل دورات المياه. وتكون مهمتهم التلصص على ما يحدث وما يقال والإبلاغ عن أي تحركات أو مواقف أو أحاديث تعد من وجهة نظرهم مهددة للأمن أو مثيرة للقلق أو البلبلة». ومن داخل الجامعة قصص وحكايات يرويها الطلاب عن تجارب سيئة، بعضها مرير عن علاقتهم بحرس الجامعة. فمنهم من وجد نفسه محروماً من الإقامة في المدينة الجامعية المخصصة للطلاب المغتربين بسبب مذكرة قدمها الحرس ضده أفادت بأنه يساند «جماعة الإخوان المسلمين» المحظورة رسمياً. ومنهم من تعرض للتحقيق بسبب لافتات حاول تعليقها تضامناً مع أهل غزة أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير. ويقول الطالب س. م. في كلية التجارة- جامعة القاهرة: «الجامعة كانت مليئة باللافتات المؤيدة لأهل غزة أثناء العدوان الوحشي عليهم، لكن ما يؤكد أن دور حرس الجامعة لا يتوقف عند حدود حماية الجامعة ومن فيها هو أن الأمن كان يتوجه إلى أشخاص بعينهم لمنعهم من تعليق لافتات، وهذا يعني أن أعين الأمن مسلطة على البعض بناء على مراقبة طلاب بعينهم على غرار ما نشاهده في أفلام الستينات والسبعينات». بداية السبعينات، وتحديداً سنة 1971- شهدت سن الدستور المعمول به حالياً، والذي نص في المادة 317 منه على إنشاء وحدة للأمن الجامعي في كل جامعة بهدف حماية منشآتها، على أن تكون تبعيتها لرئيس الجامعة مباشرة، وأن يكون لأفرادها زي خاص بهم. وقد نص الدستور صراحة على استقلال الجامعات، مع عدم جواز فرض أي قيود على شؤونها في شكل يؤدي إلى الانتقاص من استقلالها. لكن واقع الحال يؤكد مما لا يدع مجالاً للشك أن حرس الجامعة تحول إلى قوة ضاربة هدفها عدم تحقيق استقلال الجامعات. «حركة 9 مارس» التي أسسها عدد من أستاذة الجامعات تحت شعار «مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعة» من أول المطالبين بإلغاء حرس الجامعة وتحقيق استقلاليتها الكاملة. ويشار إلى أن سبب اختيار «9 مارس» اسماً للحركة هو أن مدير الجامعة المصرية في عام 1932 المفكر أحمد لطفي السيد استقال من منصبه احتجاجاً على قرار وزير التعليم نقل الدكتور طه حسين من الجامعة من دون موافقته ولا استشارة الجامعة. تحول الجامعات من منابر للعلم والمعرفة إلى ثكنات عسكرية، لا سيما في أثناء التظاهرات الطالبية التي عادة تتأجج في أثناء الأحداث السياسية الدامية على الصعيدين العربي والمصري، يثير الكثير من المخاوف حول الآثار السلبية التي نجمت عن التدخل الصارخ للأمن في أحوال الجامعة وهو ما وصفه بعضهم بالمساهمة في تدهور أحوال التعليم الجامعي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يقتصر تعيين المعيدين على توافر الشروط العلمية والمهنية المطلوبة، بل بات يشتمل على شرط موافقة الأمن، وهو تدخل صارخ في سير الأحوال التعليمية. ويقول أستاذ في كلية الآداب-جامعة القاهرة فضل عدم ذكر اسمه، إن «العديد من أمور الجامعة باتت في قبضة وزير الداخلية»، مضيفاً أنه «حتى المناهج الدراسية يتم التدخل فيها من قبل الأمن». أما حكم محكمة القضاء الإداري الذي صدر قبل أيام واستبشر به الكثيرون خيراً، فإن تحقيقه ما زال حلماً. وبالتالي تظل لافتات الطلاب المطالبة بأن يكون «الحرس بره بره» مجرد لافتات حتى إشعار آخر.