ليس جديداً الحديث عن سعي إيران الى تطوير برنامج تسلح نووي، كما ليس جديداً الحديث عن سعي الدول الغربية الى تشديد عقوباتها على ايران بسبب هذا البرنامج المفترض، ومثله الحديث عن تهديد اسرائيل بقصف المنشآت النووية الايرانية. غير ان الجديد، مع تصاعد الحملة الاعلامية والتهديدات العسكرية لايران، التي ترافق صدور تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية المتوقع غداً، انها تأتي في وقت تمر فيه المنطقة بكاملها بمخاض إستراتيجي كبير، مثلما تمر إيران بأزمة عميقة، وإنْ مكبوتة، في الداخل، في المجال السياسي وخصوصاً الاقتصادي، فمناخ الشرق الاوسط لم يعد على ما كان عليه في بدايات العام 2006، عندما اعلنت ايران عن اجراء عمليتها الاولى لتخصيب اليورانيوم، ثم جاءت العقوبات الاقتصادية الاولى التي فرضتها الولاياتالمتحدة على ايران في نهاية ذلك العام، والتي تم تشديدها في ما بعد، في الاعوام 2007 و2008 و2010. كما ان الوضع في ايران ليس على ما كان عليه في السابق، خصوصاً في زمن الرئيس محمد خاتمي، عندما كان برنامجها النووي موضعَ اجماع داخلي، وكانت ايران تتعاطى مع هذا الملف بكثير من الحكمة والديبلوماسية، اقليمياً ودولياً. وعند الحديث عن مناخ الشرق الاوسط، من المهم ملاحظة أن الحملة على ايران، والتي انطلقت من خلال تسريبات حول التقرير المنتظر للوكالة الذرية، الى صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية، هذه الحملة تترافق مع الحصار السياسي والاعلامي الذي تتعرض له حليفة ايران الاكبر في المنطقة، أي سورية، بسبب اعمال القمع الدموية المستمرة التي يمارسها نظامها ضد معارضيه. لذلك لم يكن مستغرباً ان يضع النظام الايراني هذه الحملة الغربية في اطار ما يسميه الهجمة على قوى «الممانعة» في المنطقة، وان يتهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها تحولت اداة في يد الولاياتالمتحدة ضد ايران. وهو ما فعله كذلك النظام السوري في موقفه من المطالبات العربية والغربية بتسوية مشكلته مع المعارضة ووقف اعمال القتل ضد المعارضين، فرد على هؤلاء باتهامهم بأنهم ادوات في خدمة مشروع كبير يهدف الى ضرب وحدة سورية ومناعة موقفها القومي! غير ان الطريق الافضل والأقصر لمواجهة مثل هذا المشروع المشبوه إذا وجد، ان تبادر كل من ايران وسورية الى سلوك اكثر شفافية في تعاملهما، سواء مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، او مع معارضي النظام السوري، فتسمح ايران مثلاً لمفتشي الوكالة بزيارة كافة منشآتها النووية، خصوصاً انها تزعم ان مفاعلاتها هي لتوليد الكهرباء وللأغراض الطبية، فلا تعود الوكالة مضطرة الى الاعتماد على تقارير استخباراتية يتم تسريبها اليها، كما الحال في التقرير الاخير، ثم يتبين ان هذه التسريبات كانت صحيحة، وان ايران تخفي من برنامجها اكثر مما تكشف. وكذلك بالنسبة الى سورية، التي تستطيع الرد على الحملة «المشبوهة» بالتجاوب مع المبادرة العربية، فتوقف اعمال القمع وتجلس الى طاولة حوار حقيقية مع المعارضين للتوصل الى حل للأزمة، بحيث تسقط الذرائع من يد اي مشروع غربي تشتبه دمشق بأنه يخطّط لها. اما التهديدات الاسرائيلية لإيران، فلا هدف لها في مناخ كهذا سوى تعزيز حجج النظام الايراني وحلفائه في المنطقة بأنهم يشكلون القوة «الممانعة» الكبرى في وجه «الكيان الصهيوني». إنها ورقة لا تقدر بثمن في الوقت الذي تواجه طهران وحلفاؤها في المنطقة ما يواجهونه من مصاعب داخلية، وخصوصاً ان هناك اتفاقاً بين الخبراء الاسرائيليين انفسهم، ان طهران تدرك المخاطر المدمرة التي سيشكلها اي تهديد لاسرئيل، سواء كان نووياً او غيره، على مستقبل الثورة الايرانية.