فيما تستعد مدينة صور اللبنانية لاستقبال أعداد ملحوظة من السيّاح والمغتربين الوافدين لتمضية فصل الصيف وحضور مهرجاناتها السنوية، شهد شاطئها ثلاثة عروض في الهواء الطلق وسط منطقة «الخيم البحرية» جاءت بمثابة توطئة لنشاطات موسم العطلة. والواقع ان صور، وهي آخر المدن الساحلية قبيل الحدود مع اسرئيل، تعيش نشوة عمرانية – سياحية قلّ مثيلها، فالفنادق الجديدة آخذة بالانتشار على طول الكورنيش، والمطاعم على أنواعها ومستوياتها واختصاصاتها تكاد أن تتلاصق وتتزاحم في صنع سمعة طيبة للأطايب المطروحة على موائدها. ما من مدينة ساحلية تؤكد نظرية: التنوع يساوي التطوّر مثل صور، فهي تضم كل أطياف المجتمع اللبناني في بوتقة منصهرة منذ مئات السنين، ولذا ليس غريباً أن يفرز هذا الانصهار الحيوي انفتاحاً على الروح المتوسطية الرحبة وأن يؤدي، بالتالي، الى استيعاب تظاهرات فنية ذات مستوى عالمي، كما هي الحال مع تظاهرة «زلغوطة الكورنيش» التي نظمتها جمعية «نبض» بدعم من وزارة السياحة ومهرجانات صور والجنوب وبلدية المدينة، ناهيك عن مساهمة متبرعين مستقلين اقتنعوا بضرورة تحريك الفضاء الإبداعي فوق قفير العطل الصيفية. هكذا جرى استقدام فرقتين فرنسيتين تنطقان بلسان العناصر الثلاثة: الهواء والماء والنار. ويقول جان بيار دافيد، أحد أفراد فرقة «النحت في الهواء» ان مجموعته المؤلفة من ثلاثين عنصراً انتدبت أربعة نشطاء لأداء مشاهد «السمك الطائر» على شاطئ صور يشارك في احيائها مئة فتى وفتاة من أبناء المدينة وبناتها، إذ يحمل كل منهم سمكة مطاطية فضية يتحرّك بها ضمن خطة كوريغرافية تتحول الى مشهد ممتع بصرياً. اضافة الى ذلك يطلق الفريق فقاعة هيدروجينية يطلق عليها اسم الريشة الطائرة، وهي تغتسل بالألعاب النارية مالئة فضاء الشاطئ بابتسامات صغيرة سرعان ما تنعكس على وجوه الجمهور. فرقة «سالاماند» وهي فرنسية كسابقتها، متخصصة بالألعاب النارية: الرقص بالنار، والرقص مع النار، واللهو حول النار بعض من أعمالها الممتدة الى خبرة دامت عشرين سنة في هذا المجال. جاء من أفرادها ستة يشكلون نصف أعضائها الجوّالين وسرعان ما مزجوا بين لمعان نوافير الماء وبين وهج اللهب في توضيب مدروس حوّل الليل الى موقد يتفرقع ويخلب الألباب. ولم تكتف جمعية «نبض» باستقدام الفرقتين الفرنسيتين بل أشركت فنانين جوّالين محليين في التظاهرة يتمتعون بخبرة وطيدة في مواجهة الجمهور المكشوف. وتقول وفاء خشن، رئيسة الجمعية ومنظمة التظاهرة، ان الدمج بين الوافدين والمحليين هو أكثر العوامل فائدة للجميع: «الجمهور سيسمع موسيقى أليفة تعزفها فرقة «مشروع ليلى» المؤلفة من سبعة أفراد، وسيسمع عزف أبو ريتا في مقطوعات أليفة على العود، وسيطرب لأغاني ايلي رزق الله، وسيدهش لصندوق الفرجة الذي تنظمه مايا زبيب في تنويعات مبتكرة تجمع العرض السينمائي الى فن الإيماء المسرحي. انها تجربة «جنونية» نسبة الى بعض الناس. لكن جمهور صور اعتاد مثيلاتها، خصوصاً اننا قدّمنا سنة 2004 «أعراس المرفأ» على «سنسول» مرفأ صور وكان الإقبال كبيراً». سهرت صور مع «زلغوطة الكورنيش» حتى ما بعد منتصف الليل وكان شبانها وفتياتها أكثر المتحمسين للعبة العناصر المتفجرة فوق شاطئهم الأزرق، وكان بائعو «عرانيس» الذرة والمثلجات والمكسرات وغيرها فرحين بتمديد دوامهم اليومي حتى الفجر لثلاثة أيام متوالية.