قرر أحمد (26 سنة) أن يرتبط بفتاة بعد ثلاث سنوات من العمل، وفّر خلالها تكاليف الزواج باستثناء منزل العائلة الذي ينوي تكوينه. وأحمد الآتي من مخيم البداوي شمال لبنان، يسكن حالياً في بيروت في بيت استأجره بالشراكة مع 3 من أصدقائه كسكن طلاب، لكنه بعد عام سيتزوج وسيكون مضطراً لتدبير منزل يؤويه وعروسه وهو همّ بدأ يثقل كاهله منذ اليوم. فراتبه لا يسمح له بدفع إيجار شقة في بيروت لأن ذلك وحده سيقضم ثلث الراتب، ولا يبقى له سوى القليل حتى نهاية الشهر فكيف إذا كان سيصرفه على اثنين؟ يقول أحمد ان الوضع لن يكون أفضل لو استأجر شقة خارج بيروت، لأن فارق الإيجار سيذهب بدل مواصلات. ويشبه وضع أحمد اوضاع غالبية الشباب الذين يعملون في بيروت بدخل محدود، لأن من المستحيل بالنسبة اليهم التفكير في شراء شقة مهما كانت عادية خارج مخيماتهم، لأن تأمين تكلفتها يحتاج إلى الاستغناء كلياً عن الراتب لعشرات سنوات من العمل. أما تسهيلات القرض السكني المدعومة من الدولة، فلا يستفيد اللاجئون الفلسطينيون منها لأنها تخص المواطنين اللبنانيين دون سواهم عدا عن أن حق التملك للفلسطينيين دونه معوقات أصلاً. ويقول علي العبد وهو ناشط حقوقي, إنه يصعب على الفلسطيني في لبنان الحصول على قرض شخصي من عمله أو من المصارف، لأنه غالباً لا يعمل بشكل ثابت أو رسمي، وغير مسجل في الضمان. لذا لا يمكن أن يرهن أصولاً موجودة في المخيم لأنها غير مسجلة في الدولة، وملكيتها مسجلة فقط لدى لجنة شعبية محلية، وبالتالي لا يستطيع تقديم ضمانات ملموسة للجهة المُقرضة. ويبقى المغتربون في بلدان الخليج أكثر قدرة على شراء الشقق إذا ما أرادوا العودة إلى لبنان والاستقرار فيه مستقبلاً, وهم على الأقل قادرون على تأمين الدفعة الأولى من سعر المنزل ما يسهل عليهم تقسيط ما يتبقى لاحقاً. إلا أن ذلك لا يحل المشكلة بصورة نهاية. فاللاجئ الفلسطيني لا يمكنه تسجيل شقته في الدوائر الرسمية، وهذا مبعث قلق دائم طالما لم تحل مسألة «حق التملك» للفلسطينيين. فقد أصدرت الحكومة اللبنانية عام 2001 قراراً يمنع بموجبه الفلسطيني من التملك في لبنان. وحالياً أطلقت نحو 12 جمعية محلية حملة لاسترجاع حق التملك وحمايته بالاستناد إلى دراسات تبين الآثار السلبية المترتبة على القرار. كما اعتمدت الحملة على المعاهدات الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي وقع عليها لبنان ويلزم الدولة بتطبيقيها ومنها حق التملك. وحتى الآن يمرّ خبر إرتفاع أسعار العقارات مرور الكرام على مجتمع الشباب الفلسطيني، فهم غير معنيين به ولا يكترثون للغلاء المتزايد، لأنهم في كل الأحوال لن يستطيعوا الشراء خارج المخيم وإن كانوا ميسوري الحال إلا بالاحتيال على القانون كتسجيله باسم شخص لبناني يثقون به. أما إذا اختار المقبل على الزواج السكن داخل المخيمات فيحسب ألف حساب للعيش المقيت داخله. بيوت عشوائية مكدسة فوق بعضها البعض، ومياه مالحة، وكهرباء تنقطع باستمرار بسبب الضغط والكمية المحدودة. ولعل الأسوأ في السكن داخل المخيمات بالنسبة الى شباب اليوم أنهم غير قادرين على تأمين حياة لأولادهم أفضل من التي عاشوها أنفسهم. فالمخيمات صارت مكتظة ومساحاتها المحددة مسبقاً لم تتوسع منذ إنشائها بين عامي 1949 و1950 بعد النكبة، فيما تضاعف عدد سكانها، علاوة على أن الأملاك غير مسجلة لدى الدولة اللبنانية والقسم الأكبر منها غير مرخص له بالبناء. وفي السابق كان الأبناء يبنون فوق بيت العائلة الأساسي إذا ما أرادوا الزواج، بينما اليوم لم يعد في وسعهم فعل ذلك لأن المخيمات بلغت ارتفاعها الأقصى اي نحو ثلاث طبقات، كما أنهم يسكنون في شقق وليس في بيوت مستقلة. أحمد بدأ يعيد النظر في السكن مع عروسه في بيت العائلة داخل المخيم. ويقول: «بيت العائلة كبير وفيه غرف كافية إضافة إلى قلة عددنا، فأسرتنا مكونة من 4 افراد فقط». ويعتبر أحمد نفسه الأوفر حظاً لكونه سيسبق إخوته الاصغر سناً في الزواج، «لكن ذلك سيكون على حساب استقلاليتي وخصوصياتي مع زوجتي». وفيما يعتبر أحمد فعلاً محظوظاً بالمقارنة مع غيره، يضطر آخرون إلى إعادة تعريف مواصفات العروس لتتلاءم مع متطلبات الحياة. فيصبح العمل شرطاً أساسياً للزواج، لمساعدة الشاب في الإيجار والمصروف إذا ما أرادا السكن خارج المخيم، وإلا فالانتظار ريثما يجد بيتاً في أزقة المخيم وتحمل مأساة العيش فيه ومنغصاتها.