بين الأزقة الضيقة وداخل البيوت المهترئة وجدرانها المتصدعة، تقطن عائلات لبنانية في المخيمات وتشارك اللاجئين الفلسطينيين هموم العيش، وحياتهم المأسوية، إلى حدّ لا يكاد المار في المخيم يميّز بين فلسطيني ولبناني من كثرة تشابه مظهرهما البائس. خيرية، لبنانية حطّ بها القدر لتكون من سكان مخيم شاتيلا، تقول إن سبب اختيارها السكن في المخيم هو السعر المتدني لإيجار المنازل، وهي تتمنى أن تعود وتسكن في حي «الدنا» حيث كان منزل عائلتها التي نزحت من مدينة بنت جبيل في جنوب لبنان، لكن مدخولها المحدود لا يكفي حتى إيجار المنزل في الحي المذكور. تعمل خيرية في خياطة الملابس في سوق صبرا التجاري الملاصق لمخيم شاتيلا، ما يساعدها على إيجاد عمل في حرفتها حيث تكثر المحال التجارية التي تبيع الأقمشة والألبسة، إضافة الى السلع الرخيصة، وتقصدها شريحة لا بأس بها من المتسوقين وبخاصة الفقراء. سوق صبرا أيضاً أقنع محمد (أبو حديد) بالاستقرار في المخيم ذاته، ما وفرّ له فرصة عمل بائعاً في محل ألعاب الفيديو، ويسكن حالياً مع والدته بعد أن كانا يقيمان في أحد أحياء الضاحية الجنوبيةلبيروت. ومن خلال عملها في تنظيف المنازل تجد والدة محمد طريقاً لمساعدة ابنها في سداد إيجار المنزل الذي يؤويهما. وقد مرّ على وجود أبو حديد في المخيم أكثر من عشر سنين، وهو لا ينوي الانتقال إلى خارج المخيم لأنه اعتاد على السكن فيه، ولا يعتقد بأنّه سيجد منزلاً بالإيجار نفسه الذي يدفعه حالياً. وإلى جانب الإيجار الرخيص يُعدّ توافر المياه مجاناً والكهرباء شبه المجانية (فواتير مقطوعة) من المغريات والتسهيلات التي تستقطب أسراً لبنانية للعيش في المخيم. فالمياه تصل الى كل بيت مجاناً وفواتير الكهرباء تدفع بدل صيانة لا أكثر (تقريباً بين 10 و20 دولاراً شهرياً)، إضافة إلى غياب الرسوم البلدية ما يُضطر تلك الأسر الى التضحية بالحياة الهنيّة والمنظمة، وقبول حياة الفوضى والعشوائية من أجل التوفير المادي. وربما لا تفصح تلك الأسر عن ذلك بصراحة كحال سالم الذي يعمل شرطياً في الأمن الداخلي، وقد «فرّ» إلى المخيم مع زوجته وأبنائه هرباً من الارتفاع «الجنوني» لإيجار منزل كان يسكنه بحسب وصفه. ويتوجس سالم من التعريف عن نفسه أو حتى استضافة من لا يعرفه، فهو ساكن جديد يحسب خطواته في مجتمع لا يعرف تقاليده كثيراً. على صعيد المخيم، أفرزت هذه الظاهرة ضيقاً في المساحة واكتظاظاً سكانياً وزادت معها الأبنية غير المرخصة والعشوائية في الأحياء. ولا يقتصر اللجوء إلى المخيمات على اللبنانيين، بل يكثر وجود «جاليات» سورية وكردية (في مخيمي البرج وشاتيلا) وعمال أثيوبيون وأفارقة ينتشرون في مخيم مار الياس، وأصبح من شبه المستحيل إيجاد منزل للإيجار في هذا المخيم الواقع على الطريق المؤدية إلى رأس بيروت. فالعمال القادمون من الخارج يسترخصون السكن في المناطق الشعبية ولا يتطلعون الى المظاهر الحياتية للتوفير قدر المستطاع من رواتبهم وأجورهم لحين العودة إلى ديارهم. في المقابل يستمرّ نزوح لاجئين فلسطينيين ممن تحسنت أحوالهم المادية هرباً من مأسوية حياة المخيمات التي تفتقر إلى التنظيم وتحسين ظروف المعيشة فيها. فالكهرباء شبه المجانية تقطع لأيام متواصلة في المخيم. ولا يتردد كل من يرغب في امتلاك بيت أو شقة قريبة من عمله في الخروج والاستقرار بعيداً من جوّ المخيم الذي يذكره دائماً بالظلم الواقع عليه. كذلك دفعت الإجراءات الأمنية المفروضة على بعض المخيمات (عين الحلوة ونهر البارد والمية ومية) آخرين للبحث عن مكان سكن يسهّل ذهابهم الى بيوتهم والعودة منها، وخوفاً من خسارة كل ما يملك في لحظة مشكلة تقع على حدود منزله، لا ناقة له فيها ولا جمل (كما حدث في نهر البارد).