عرض الفنان المصري هاني راشد في مركز الجزيرة للفنون في القاهرة مجموعة كبيرة من اللوحات تمثل نماذج مختلفة لمراحل من تجربته الفنية، بعنوان «الثلج الأسود». يعتمد راشد (من مواليد 1975) في أعماله على الفوتوغرافيا والصور المطبوعة. يعيد صياغتها ويتدخل في سياقها من طريق اللون والتركيب والتوليف بين العناصر المختلفة، ليصنع عالماً مثيراً يجمع فيه بين الدهشة والمتعة البصرية. وتعوّد متابعوه على ابتكاراته التي يقدمها في كل معرض من معارضه، والتي تعد الفكرة البطل الرئيس فيها. غير أنه أضاف شيئاً مختلفاً هذه المرة، إذ أطاح معالم اللوحات تماماً، وعرضها وهي ملطّخة بلون أسود قاتم طمس معظم عناصرها. شوّه راشد أعماله المعروضة عن عمد. وعرض إلى جانبها صوراً فوتوغرافية للأعمال قبل أن تتعرض للتشويه. ولم يكتف بذلك، بل أبقى إحدى اللوحات ذات الحجم الكبير على حالها من دون تشويه، وعمد بعيد الافتتاح الى تشويهها في عرض حي وسط دهشة الجمهور. ونُصبت شاشة الى جانب القاعة عَرضت لقطات فيديو تصوّره وهو يشوه تلك الأعمال التي شارك بعضها في معارض دولية، ومن بينها مثلاً لوحة كانت تصدرت غلاف أحد أعداد مجلة «أخبار الأدب» القاهرية. هذه الطريقة التي اختارها راشد ليقدم أعماله بها ترتبط إلى حد كبير بالحالة العامة التي تعيشها مصر حالياً، غير أن الأمر لم يكن من قبيل الاعتراض أو إثبات موقف، بقدر ما هو رسالة أراد توجيهها لنفسه وللآخرين، ألا وهي «التحدي لذاته، رغبة منه في البدء من جديد»، كما قال. لقد فعل بأعماله كما تفعل الثورات في الأنظمة. أطاحها كي يعيد بناءها. استخدم راشد في هدم أعماله لوناً واحداً، وهو الأسود القاتم، كي يؤكد عملية الهدم، فالأسود لا يمكن البناء عليه بسهولة مرة أخرى. وقال الفنان: «أعكف منذ بداية الثورة المصرية على تسجيل كل ما يدور حولي في لوحات، لكنني بعد تفكير اكتشفت أننا لا نحتاج في اللحظة الراهنة إلى ذلك التسجيل، فالثورة في رأيي مستمرة، والناس الآن في حاجة إلى أشياء أخرى غير رؤية الأعمال الفنية. وفكرة هدم اللوحات على هذا النحو كانت وسيلتي لتقديم أفكار تحثّ الناس على المضي في الإصلاح». وأضاف: «الهدم ليس جانباً سلبياً على الدوام. نحن نخسر أشياء ونكسب في مقابلها أشياء أخرى كثيرة». وأوضح أنه اختار «أعمالاً رأيت أنها ضعيفة فنياً. أردت أن أعترف بأنني كنت أتساهل أحياناً في عملي. أما الأعمال المهمة التي هدمتها ففعلت ذلك بدافع التوقف عن النظر إليها. فالأعمال الجيدة تمثل عبئاً ثقيلاً على الفنان أحياناً، إذ يقف عندها طويلاً ولا يستطيع الفكاك من أسرها. لكنه إذا تخلص من هذا الشعور، يستطيع إنتاج ما هو أفضل».