يعرَّف اختبار تحمل المصارف بأنه اختبار عصري يهدف إلى معرفة مدى مرونة المصارف وقوتها لجهة تحمل الصدمات والهزات الاقتصادية إلى جانب قدرتها على تحمل مواجهة الأخطار المتعلقة بالائتمان في ظل ظروف وفترة معينة. وكانت المصارف الدولية تمر باختبارات كهذه بمعدل مرة كل سنة أو كل سنتين. لكن ثمة مخاوف اليوم من أن تنقلب هذه الاختبارات المطلوبة بسبب انكشاف مصارف أوروبية على ديون سيادية في منطقة اليورو إلى كارثة العام المقبل، قد تحوّل الأحلام المصرفية التوسعية إلى كابوس نظراً إلى وجود ثلاثة عوامل تضغط على صناع القرارات المالية حول العالم، تتمثّل في وضع الأسواق المالية الدولية الضبابي، واحتمال إفلاس اليونان، والخرائط الجديدة لاتفاق «بازل 3» التي تفرض على المصارف زيادة لافتة في رؤوس أموالها. في هذا الصدد، يشير إحصاء سويسري طاول مصارف أميركية وآسيوية وأوروبية، إلى أن ما لا يقل عن 63 مصرفاً، ومن ضمنها مصارف سويسرية صغيرة ومتوسطة الحجم، لن تنجح في تجاوز اختبارات التحمل إلا في حال توافرت لديها سيولة مالية لا تقل عن 913 بليون دولار. وبالنسبة إلى المصارف الأوروبية فإنها تحتاج إلى نحو 347 بليون دولار، لتخطي هذا الاختبار الثقيل المعيار، يخصَّص 154 بليون دولار منها لتأمين السيولة المصرفية إلى كلٍّ من اليونان وإرلندا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا. وبما أن اختبار تحمل المصارف قد يتحول إلى عادة روتينية في العام المقبل، يجب على المصارف اليونانية والإرلندية والإيطالية والبرتغالية والإسبانية زيادة رؤوس أموالها 67 في المئة مقارنة بمجموع ما تمتلكه اليوم من أصول وثروات. أما بالنسبة إلى المصارف اليابانية فإنها تستعد لزيادة رؤوس أموالها 70 في المئة خصوصاً بعد دخول اليابان عصراً اقتصادياً جديداً، ذا صلة مباشرة بإنعاش الحركة السياحية والمالية والصناعية، فرضته كارثة فوكوشيما النووية. الاقتصادات الناشئة وللمرة الأولى، تمكّنت المصارف الكبرى في البرازيل، التي تعَد في طليعة الاقتصادات الناشئة، من عبور اختبارات التحمل بنجاح لاقى إعجاب الدول الصناعية المتقدمة، إذ احتل «بنكو دو برازيل» و «براديسكو» المركزين الأول والثاني من ضمن لائحة تضم أكثر من 225 مصرفاً حول العالم. وفي صورة فاجأت الجميع، احتل مصرف «يو بي إس» السويسري المركز الثالث، من ضمن اللائحة، ما يدل على مدى ضخامة المصرف السويسري وتفرعاته ومدى تمسّك خبرائه بهوس الحسابات الرياضية الدقيقة للتقليل من ثقل الأخطار المالية عليه، من جهة، وممارسة زيادة دورية في رؤوس الأموال القادرة على استيعاب صدمات الأخطار المالية، من جهة ثانية. وفي الوقت الحاضر، يتعاظم قلق الخبراء المصرفيين على أوضاع المصارف الإيطالية الكبرى فضلاً عن إصرارهم على تشديد الرقابة على الأحوال الحساسة لثلاثة مصارف أخرى، أحدها خليجي، هي «ألايد آريش بنك» و «بنك أبو ظبي التجاري» و «كوميرسبنك» الألماني. ولا شك في أن ملامح العالم المصرفي تدخل تغييرات جذرية. فكل مصرف، سويسرياً كان أم لا، عليه تقوية ذراعين اثنتين من أذرعته الرئيسة، هي الاستعداد لخوض اختبار تحمل المصارف في أي وقت، وتقيده الكامل باتفاق «بازل 3» بأسرع وقت ممكن. صحيح أن المسألة تتطلب تضحيات كبرى، من ضمنها اللجوء إلى تسريح آلاف الموظفين على غرار ما يحصل لدى المصارف السويسرية العملاقة. بيد أن المصرف ينجح في اللعب بحرية داخل الساحات المالية. فهو يستطيع، مثلاً، خوض عمليات شراء «مدوية» من دون صعوبات تذكر. كما أنه يتمكن من النمو وإرضاء المستثمرين، لجهة إعطائهم أرباح جيدة على الأسهم، وإعادة شراء أسهمه بسهولة وليونة يحسده عليها الجميع. إنما، وعلى رغم التسهيلات التي يضمنها للمصارف، اتفاق «بازل 3» وما يشتَق منه، إلا أن التقيد الكامل باتفاق كهذا، على الأثر، مستحيل بالنسبة إلى أكثر من 95 في المئة من مصارف العالم التي تحتاج إلى ما لا يقل عن سبع سنين لزيادة رؤوس أموالها، عن طريق جرعات متواصلة من السيولة المالية المتدفقة اليها، بالصورة المطلوبة، الفعلية وغير النظرية.