عكست بيانات لمؤسسة النقد العربي السعودي استمرار تراجع القروض المقدمة من المصارف السعودية للقطاع الخاص في شهر أيار (مايو) الماضي، للشهر الثالث على التوالي، في حين تباطأ معدل النمو السنوي للمعروض النقدي. وبحسب مصدر مصرفي، فإن تراجع قروض البنوك: «أمر متوقع مع تفاقم المشكلات الناجمة عن الأزمة المالية العالمية، ما تسبب في موجه من انعدام الثقة، دفعت المصارف إلى خفض عمليات الاقراض». وتوقع المصدر (فضل عدم ذكر اسمه) في حديثه إلى «الحياة»: «أن يعود وضع الاقراض لدى المصارف السعودية إلى التحسن مع مرور الوقت، وأن يبدأ انتعاش الاقراض مع الربع الرابع من العام الحالي». وبحسب أرقام نشرتها مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، بلغت مطلوبات المصارف على القطاع الخاص 724.87 بليون ريال خلال مايو، وهي أدنى مستوياتها منذ آب (أغسطس). وبالمقارنة مع نيسان (أبريل) سجلت مطلوبات المصارف على القطاع الخاص في مايو أشد تراجع شهري لها منذ كانون الثاني (يناير)، كما أن معدل نموها السنوي البالغ 7.6 في المئة هو الأدنى فيما لا يقل عن عام. وتباطأ أيضاً معدل النمو السنوي للمعروض النقدي (ن3)، وهو المقياس الأوسع نطاقاً للنقد المتداول في الاقتصاد للمرة الأولى منذ يناير الماضي. وسجل 16.9 في المئة في مايو انخفاضاًً من 18.3 في المئة في أبريل. وسجل أعلى معدل له خلال العام الحالي، إذ بلغ في مايو 986.8 بليون ريال، مقارنة مع 844.4 في الشهر نفسه من العام الماضي. وخفضت مؤسسة النقد قبل نحو 10 أيام سعر إعادة الشراء (الريبو العكسي) الى النصف، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاقراض. وتراجع صافي الموجودات الاجنبية ل«ساما» 1.1 في المئة في مايو عنه في أبريل، مواصلاً انخفاضه للشهر السادس على التوالي، ليصل الى 1.483 تريليون ريال، وهو أدنى مستوى له منذ حزيران (يونيو) 2008. وقال عضو جمعية الاقتصاد السعودية محمد العمران ل «الحياة»: «يبدو أن المصارف وصلت إلى النسبة القصوى لجهة معدل القروض إلى الودائع، والآن النمو في الودائع بدأ في الانخفاض». وأضاف: «هناك حاجة ماسة لتوسيع نمو الودائع وذلك لكي تسهم في زيادة الاقراض». ودعا العمران مؤسسة النقد إلى سحب جزء من ودائعها في المصارف الأجنبية وإيداعها في المصارف السعودية لتنشيط الاقراض، وتغيير تصنيفها الخاص بنسبة القروض إلى الودائع، ليشمل ودائع مؤسسة النقد، ما يعزز من قدرة المصارف في الائتمان. إلى ذلك، سجل النقد المتداول خارج المصارف ارتفاعاً، ووصل إلى أعلى معدل له خلال العام الحالي وبلغ 84.4 بليون ريال. فيما يعتقد أنه أمر طبيعي مع اقتراب موعد الإجازة الصيفية في المملكة، وزيادة طلبات السفر إلى الخارج. أما ما يتعلق بالاحتياطات الرسمية الاجمالية بالنسبة للدولة، فكشفت النشرة ارتفاع احتياط المؤسسة من الذهب إلى أعلى مستوى له في العام ووصل إلى 249 مليون ريال. واجمالي الاحتياطات ناقصاً الذهب سجل انخفاضاً طفيفاً 29.7 بليون دولار (111.3 بليون ريال). من جهته، قال عضو جمعية الاقتصاد السعودية عبدالحميد العمري ل «الحياة»: «النشرة أظهرت ارتفاعاً للسيولة المحلية إلى 986.8 بليون ريال، بمعدل نمو سنوي آخذ في التراجع إلى حدود 16.9 في المئة، ما أدّى لاحقاً إلى تقلص الفجوة التضخمية للاقتصاد السعودي، وهو ما نتج عنه تحرك مؤسسة النقد لاحقاً في مطلع يونيو 2009 إلى خفض العائد على الإيداع العكسي لديها من قبل المصارف المحلية، من 0.5 في المئة إلى 0.25 في المئة، لهبوط الضغوط التضخمية، ولتشجيع البنوك المحلية على العودة إلى لعب دورها المحوري في ضخ السيولة اللازمة من أجل النشاط الاقتصادي والتجاري في البلاد». ويضيف: «تستهدف مؤسسة النقد القطاع الخاص الذي تصل مساهمته في الاقتصاد الحقيقي لأكثر من 45 في المئة، إذ يُعول عليه بالدرجة الأولى لتحقيق المحافظة على معدلات النمو الحقيقية للاقتصاد، وبخاصةً في ظل التوقعات بتراجع معدلات النمو الحقيقي للقطاع النفطي خلال العام الحالي بنحو 10.5 في المئة، والاقتصاد الكلي بنحو0.9 في المئة». وتابع العمري : «شهدنا تراجعاً في معدلات نمو تمويل القطاع الخاص من المصارف المحلية لاعتبارات عدة، كان أهمها ارتفاع معدلات المخاطرة نتيجة الأزمة المالية العالمية، هذا عدا أن التراجع في مستويات التمويل المحلي، وصل في أوقات سابقة ذروته وقارب 90 في المئة من إجمالي الودائع المصرفية، وهو ما يتجاوز النسب المحددة من مؤسسة النقد». وأشار إلى أنه وفقاً للبيانات الصادرة أخيراً شهدنا تراجع تلك النسبة إلى 80.3 في المئة (نسبة الائتمان الممنوح للقطاع الخاص إلى الودائع المصرفية)، وهو ما يتفق تماماً مع توجيهات ساما، لذا أجد من الضرورة لتشجيع المصارف المحلية على ممارسة دورها المأمول من السياسة النقدية، أن تقوم إدارة السياسة المالية (وزارة المالية) بالمزيد من التشجيع الذي لعبته خلال الفترة الماضية، من أجل زيادة الإيداعات الحكومية التي بدورها ستسهم في زيادة الودائع المصرفية، بما سيشجع المصارف على زيادة ضخ السيولة اللازمة في الاقتصاد».