قبل أكثر من عام تنادى مثقفون وناشطون حقوقيون عمانيون إلى دستور تعاقدي يرونه مفتاحاً لمستقبل دولة عصرية تقر الحقوق والواجبات لجميع أفراد الشعب، وتحدد العلاقة بين السلطان والشعب بمنأى عن أسلوب الدولة القائمة على القبيلة وتوزيع الأدوار. وكان لافتاً أن تجد المطالبات بالدستور التعاقدي مكانها بين الحركات الاحتجاجية في السلطنة حيث وجد المثقفون والناشطون الفرصة سانحة لعرض مشروعهم وإحيائه بعد أن وصل إلى ما يشبه الطريق المسدود من الاستجابة لدى الحكومة، والاختلاف عليه من قبل شرائح أخرى رأت في الدستور مشروعاً شخصياً يخدم أفراداً بعينهم، ودافع الإعلامي محمد اليحيائي باستماتة عن هذا الدستور لكن بقيت الاتهامات تلاحقه كونه يعمل في قناة «الحرة»، وارتباط ذلك بمشروع الديموقراطية الذي تسعى الولاياتالمتحدة لتسويقه عربياً، وقام ناشطون بجمع توقيعات لتقديم عريضة إلى السلطان قابوس، قبل أن يخفت الحديث عن الدستور وعريضته، وأعادته إلى الواجهة الاعتصامات المتكاثرة في السلطنة منذ نحو شهر. وفاجأ السلطان قابوس الشارع العماني بأوامره بمنح مجلس عمان صلاحيات تشريعية أو رقابية «لما بيّنه النظام الأساسي للدولة والقوانين النفاذة»، وكان لافتاً أن يعقّب المادة المشيرة إلى منح الصلاحيات في المرسوم السلطاني مادة أخرى بتشكيل «لجنة فنية من المختصين لوضع مشروع تعديل للنظام بما يحقق حكم المادة الأولى» منه، فجاء ذكر الصلاحيات قبل الأمر بتشكيل اللجنة التي ستدرس مدى تلك الصلاحيات التي يمكن منحها لمجلس عمان. علماً أن المطالبات التي رفعها المعتصمون شددت على منح صلاحيات واسعة لمجلس الشورى، فجاء المرسوم السلطاني بإشراك مجلس الدولة، الجناح الثاني لمجلس الشورى في مجلس عمان. المطالبون بالدستور التعاقدي لم ترضهم كثيراً هذه الخطوة السلطانية كونها تجاوزت مطالباتهم، مع توقعات أن تتضمن في تشكيلتها المرتقبة أعضاء من مجلس عمان (مجلسي الدولة المعين والشورى المنتخب)، وبما يعنيه ذلك من بقاء دعاة الدستور بعيدين عن أية صياغة لهذه التعديلات، والتي ستكون لمصلحة إعطاء مجلس عمان سلطات تنفيذية وتشريعية بعيداً عن الحديث عن دائرة نظام الحكم في السلطنة، ومضامين الدستور التعاقدي الذي يريده الناشطون، والذين يرون أن الزمن تجاوز بعض مواد النظام الأساسي للدولة، وأن بينها ما هو قابل للتأويل والأخذ به على أكثر من وجه. ومثلما أوجد مشروع الدستور التعاقدي خلافات، خاصة على المنتديات الإلكترونية حيث تم طرحه وتداوله، بين شرائح مجتمعية فإن طرحه خلال حركات الاعتصامات عدّه البعض محاولة لتمرير أجندة خاصة «مختلف عليها» ضمن جملة من مشاريع وطنية «متفق عليها» وخرج من بين مناصريهم السابقين عليهم فنشر مقالاً إلكترونياً بعنوان لكم «دستوركم ولنا دستورنا وسلطاننا» في أوضح إشارة إلى أن التعديلات الأخيرة المنتظرة كافية لتحقيق المرجو من النظام الأساسي للدولة، بخاصة مع تأكيد السلطان قابوس على أن تقوم اللجنة بعد تشكيلها بالانتهاء من عملها خلال شهر، وتقديم مقترحاتها للسلطان قابوس مباشرة. ويتفاءل العمانيون بإقرارها فوراً كونها تأتي ضمن حركة إصلاحات واسعة قادها السلطان قابوس إثر حركة اعتصامات واسعة حرصت على تأكيد ولاءها له، لكن بعضها لم يخل من مواجهات عنيفة كالذي حدث في ولايات صحار وعبري وضنك حيث توفي شخص وجرح آخرون كما اعتقل الادعاء العام العشرات من الذين وصفوا بالمخربين بانتظار استكمال التحقيق معهم في إشعال حرائق في منشآت عامة وخاصة. ويترقب الشارع العماني أسماء اللجنة التي سيشكلها السلطان قابوس لوضع التصور حول مدى الصلاحيات التي ستمنح لمجلس عمان، بخاصة في المجالين التشريعي والرقابي، بما يعنيه ذلك من بقاء دستور البلاد من دون تغييرات سوى تلك المتعلقة بالسلطات التشريعية، تعزيزاً لمبدأ الشفافية ومنعاً لشبهات الفساد التي تحوم حول المشاريع التي تتبناها الحكومة.