تزامناً مع حركة الاحتجاج العالمية التي عمت أخيراً عدداً من المدن الأوروبية والأميركية، انطلقت في مونتريال تحركات وتظاهرات مماثلة، ما لبثت أن تحولت منذ الأسبوع الفائت اعتصامات واحتلالاً لبعض الساحات ونصب الخيم فيها. واللافت أن الشباب المحتجين، ومعظمهم من معاصري ثورة الإنترنت وجيل الديجيتال والثقافة الرقمية، اختاروا لتجمعهم، عن سابق تصور وتصميم، «ميدان فيكتوريا» الواقع على تماس برج البورصة في مونتريال، «مركز التجارة والمال والأعمال وأحد رموز النظام الرأسمالي العالمي» على حد قول الطالب الجامعي مارك روبرتسون، المشرف على تنظيم حركة «السخط والاحتجاج» عبر شبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك» والمعروفة باسم «Occupons Montreal». ساحة الشعب أطلق المعتصمون على ميدان فيكتوريا اسم «ساحة الشعب». وبدت أشبه ب «قرية صغيرة» تحيط بها الأشجار، وتنتصب فيها الخيم (حوالى 300 خيمة) المختلفة الأشكال والأحجام والألوان، وتضج بالحركة ليل نهار، ويقيم فيها شباب وشابات، جلّهم من الطلاب الجامعيين والعاطلين من العمل. وتنتمي غالبيتهم إلى منابت اجتماعية شعبية ومتوسطة، وإلى إتنيات وثقافات متعددة واتجاهات فكرية وسياسية متنوعة. وبعضهم يرتدي ثياباً رسم عليها «مربع أحمر» دلالة على انتمائه إلى أحد التيارات اليسارية. كما يشارك في هذا التجمع ممثلون عن نحو 4 آلاف منظمة شبابية ومهنية ونقابية وخيرية ناشطة في الدفاع عن العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والعمال والمرأة. ويؤكد هؤلاء «الساخطون»، على رغم ما بينهم من الفوارق العرقية والاجتماعية والثقافية، تعايشهم وتضامنهم واتفاقهم من خلال بياناتهم وملصقاتهم داخل المخيم وخارجه، على شعارات موحدة مثل «الرأسمالية المتوحشة»، «الشباب طليعة التغيير»، «نحن نمثل 20 في المئة من سكان العالم». كما تطالب لافتات أخرى للطلاب الثانويين بتعميم التعليم الجامعي المجاني ومشاركة الشباب في وضع المناهج التعليمية وتعديلها وتطويرها. ومن الناحية الأمنية، يحيط بالمخيم رجال الشرطة المنتشرون على تخومه من أجل الحفاظ على سلامة المعتصمين وحقهم في التعبير، طالما، كما يقول رئيس بلدية مونتريال جيرار ترامبليه «ظل تحركهم سلمياً ولا يعيق حركة المارة والمرور أو يمتد إلى ساحات أخرى أو أن يخل بنظام الهدوء والسكينة بعد الساعة الحادية عشرة ليلاً». ويضيف: «نحن نعتقد أن حراكهم مشروع وليس معزولاً عما يجري في العالم»، منوهاً بطابعه «السلمي والحضاري الذي قلما شهدته مونتريال في حالات مماثلة». تجهيزات لوجيستية يؤكد جان بيار دو لورييه المسؤول عن التحضيرات والتجهيزات اللوجيستية في المخيم أن «اعتصام الشباب قد يطول، وأن نهايته غير محددة بزمن معين، وأنه بداية ولدينا خيارات عدة» ويضيف: «نحن ماضون في اعتصامنا وإسماع صوتنا إلى الحكومة الكندية التي هي جزء من النظام الرأسمالي العالمي». وهذا الأمر يبدو واضحاً من خلال تجهيز المخيم بالمولدات الكهربائية ووسائل التدفئة وأجهزة الكومبيوتر والهاتف وشبكات الإنترنت ومكتبة للمطالعة وأجهزة لعرض الأفلام الوثائقية والأسرة والأغطية والمراحيض وغيرها. كما يحتوي على مطبخ مركزي لتحضير الوجبات اليومية (حوالى 800 وجبة) والمشروبات الساخنة. ويشرف عليه متطوعون من ذوي الخبرة في المطاعم. أما المصادر المالية فتأتي كما تقول نيفين شانتان (متطوعة وموظفة في أحد المصارف) من جهات مختلفة وتبرعات الزائرين والمارة ومنظمات شبابية ونقابية وهيئات نسائية وموظفين حتى بعض رجال الأعمال والمصارف. وتشير إلى أن التبرعات تشمل أيضاً ألبسة شتوية تقدمها بعض العائلات والمصانع والمحلات التجارية. منتدى للحوار والملاحظ أن ميدان فيكتوريا تحول من مركز للاحتجاج إلى ملتقى شبه يومي ومنتدى للحوار والنقاش بين جمهور الزائرين والمعتصمين لا سيما أن هؤلاء الأخيرين يتعرضون أحياناً للسخرية ويتهمون بأنهم فوضويون ويحتلون المرافق العامة ويطرحون شعارات جوفاء لا أفق لها ولا مضمون. كما أصبح المخيم مادة دسمة لعدسات المصورين وتحقيقات الصحافيين ومقابلاتهم وتحليلاتهم التي تضج بها وسائل الإعلام الكندية المرئية والمسموعة والمكتوبة.