امضى آلاف المعتصمين في وسط المنامة الاحد ليلتهم الثانية في دوار اللؤلؤة الذي تحول الى ساحة تختلط فيها الاراء السياسية برغبة عارمة في تغيير ما زال غير واضح المعالم. وحتى الساعة العاشرة من مساء الاحد بتوقيت المنامة، كان الالاف من الشبان والعائلات ما زالوا يتدفقون من الشوارع المؤدية الى الدوار بحماس ظاهر ويرفعون الاعلام البحرينية او يحملون اكياس الطعام وزجاجات المياه والعصائر او البطانيات. وقال قاسم حسن، وهو طالب جامعي، لوكالة فرانس برس فيما كان يقدم الماء والفاكهة والعصير للمارة «ننوي البقاء طويلا ومضافتنا التي نقدم من خلالها الطعام للناس ستكبر سنبقى ونحن مصممون على تحقيق مطالبنا». وما ان عاد المحتجون الشبان الى الدوار السبت بعد يومين من تفريقهم منه بالقوة، حتى شرعوا في تنظيم الحركة في المكان بدءا من حركة السير الى التنظيف، الى تقديم النصائح عبر ميكرفون الاذاعة الداخلية حول تنظيم الحركة في المكان. وكانت تظاهرات التضامن تصل الى الدوار تباعا اعتبارا من الظهر وحتى المساء بدءا من تظاهرة للمعلمين والاطباء وعمال نقابيين واعلاميين. ورغم مشاعر الالم والصدمة الثقيلة المخيمة على المكان حيال ما بات يعرف في البحرين ب»الخميس الدامي»، عندما اقتحمت قوات الامن الدوار فجرا لفض الاعتصام بالقوة، فان مشاعر الحبور كانت طاغية وسط المعتصمين رغم كل مظاهر تكريم الضحايا الذين سقطوا في ذلك اليوم، حيث انتشرت الشموع في الدوار وزينت مواقع سقوط الضحايا بالشموع والورود والصور. لكن مشاعر الالم هذه مخيمة على البحرين وليس على دوار اللؤلؤة فحسب، ومن تلفزيون نصب في احدى الخيام، كان كاتب مقال بحريني شاب يختنق بالعبرات وهو يتحدث عن مشاعره حيال ما جرى في حوار كان يبثه تلفزيون البحرين مع ثلاثة شبان حول الاحداث الاخيرة. وقالت ام علوي التي كانت تجلس مع بناتها على العشب «ما جرى يوم الخميس مروع وهزنا في صميم قلوبنا كنت هنا مع ابنائي منذ اليوم الاول وعدت الى هنا معهم وسابقى هنا». واضافت ام علوي التي كانت ترتدي النقاب محاطة ببناتها «ليس هناك أم تستطيع ان تمنع ابناءها عن المجيء الى هنا التضحية واجبة وبلدنا عزيزة علينا رغم كل ما جرى فانا متفائلة هذا يحصل للمرة الاولى في البحرين ان ترى الناس ترتفع فوق انتماءاتها الطائفية.. لا سني ولا شيعي كلنا بحرينيون ابناء هذا البلد». وتحضر ام علوي وبناتها الى الدوار ويجلسن على العشب حتى العاشرة مساء قبل ان يعدن الى البيت على غرار جميع النساء والفتيات اللواتي يخف تواجدهن في المكان مع تقدم ساعات الليل. وكان حضور النساء كثيفا منذ اليوم الاول الذي وصل فيه المحتجون الى الدوار وما زلن يشكلن كثافة عالية وسط المحتجين، في مؤشر اعتبرته منى عباس المتخصصة في علم الاجتماع انه «تعبير عن رغبة كامنة في التحرر حتى من القيود الاجتماعية المفروضة على النساء في مجتمع محافظ مثل مجتمع البحرين». ودفعت مشاعر الصدمة هذه بالمزيد من المحتجين الى الدوار من المهنيين والمتضامنين الذين راحوا ينصبون الخيام في الدوار والرصيف المقابل ويعلقون لافتات الاحتجاج والتضامن عليها مثل المحامين والمعلمين والاطباء وبعض المثقفين وجمعيات سياسية ومهنية وجمهور بعيد عن السياسة ايضا من الافراد. وفي اول المساء، ادى المئات من الرجال صلاة العشاء جماعة في الدوار، فيما النساء رحن يصلين ايضا في جماعات صغيرة او فرادى. وحتى منتصف الليل كان الالاف من الذين يعج بهم الدوار ما زالوا في اماكنهم يتدثرون بالمعاطف الثقيلة والبطانيات الصوفية اتقاء للبرد ويتحلقون في خيام تراصت على العشب وعلى الارصفة المحيطة، يحتسون القهوة او الشاي ويتناولون الطعام او يدخلون في نقاشات او حتى مجرد احاديث عادية، فيما جلب بعض المعتصمين تلفزيونات تعمل بمولدات الكهرباء. كما اقيمت معارض على عجل لفوارغ القنابل المسيلة الدموع والرصاص المطاطي. مسيرات وهتافات ولافتات تنطق بمطالب سياسية تتفاوت في لغتها وسقفها السياسي، لكن حس الدعابة كان حاضرا ايضا مع مراهق رفع لافتة كتب عليها «نطالب الجيش باعادة ماكينة النفيش»، اي ماكينة فشار الذرة.