الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز، له كثير من الإسهامات الإنسانية المعروفة، ولكنه في الأساس رجل دولة من الطراز الأول من الناحية السياسية على الساحتين المحلية والدولية. فعلى الساحة المحلية بدأت حياته الإدارية رئيساً للحرس الملكي خلال فترة حياة والده المؤسس - رحمه الله - ومن ثم انطلق في مسيرته الإدارية والسياسية أميراً للرياض ثم وزيراً للزراعة ثم وزيراً للمواصلات وصولاً إلى ولاية العهد إلى جانب توليه وزارة الدفاع والمفتشية العامة. وفي كل المجالات له دور فاعل من خلال رئاسة مجالس المؤسسات المتعددة ذات العلاقة بحياة المواطن السعودي الذي كان - يرحمه الله - يعطيه أهمية خاصة، من خلال بناء منظومة متكاملة من القطاع الصحي التابع للقوات المسلحة السعودية والتي تخدم المواطنين بكل فئاتهم وشرائحهم. كثير من الطلبة السعوديين المبتعثين الذين كانوا يدرسون على حسابهم الخاص كان في كل زيارة لدولة يوجد بها آلاف من الطلبة السعوديين الذين كانوا يعانون صعوبات في الالتحاق بالبعثات الحكومية كان سموه لا يتردد في ضمهم إلى البعثات في أسرع وقت ممكن قبل أن يغادر تلك الدولة التي يقوم بزيارتها وكان يؤكد على المسؤولين سرعة إنهاء معاملات الطلبة والبعد عن التعقيدات الإدارية. في المجال الدولي ومن خلال خطابات سموه في المحافل الدولية، خصوصاً من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة كان يدعو دائماً إلى السلام والتآخي بين شعوب العالم ويدعو إلى السلام في منطقة الشرق الأوسط، وكان يؤكد أن منطقتنا لن يحل فيها السلام قبل الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية. في قضية الأسلحة ذات الدمار الشامل كان سموه - يرحمه الله - يدعو إلى منطقة شرق أوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل وكان يؤكد أنه يجب ألا يكون هناك استثناء لأي دولة في هذا السياق، لأن ذلك سيخلق سباقاً محموماً لامتلاك أسلحة الدمار الشامل في عالمنا الشرق أوسطي. ومن خلال خطاباته في المحافل الدولية والإقليمية كان يدعو دائماً إلى السلام مع دول الجوار، ويؤكد مثلاً أن إيران دولة جارة ولكنه في الوقت نفسه يعمل من خلال منظومة دول مجلس التعاون الخليجي لدعم منظومة التكامل الخليجي في كل المجالات، خصوصاً في مجال تطوير وتحديث القوات المسلحة الخليجية والتي كانت قوات درع الجزيرة ثمرة من جهوده للشعوب الخليجية، فهو يدعو دائماً إلى القوة والتطوير والتحديث من خلال الاهتمام بالإنسان ومن ثم الاهتمام باستيراد التكنولوجيا المتقدمة، والتي عمل من خلال توطينها في المملكة العربية السعودية من خلال مشاريع التوازن الاقتصادي والخزن الاستراتيجي. وعندما ابتلينا بقضايا الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 لم يتوانَ سموه - رحمه الله - بالدفاع عن الإسلام الوسطي من خلال التبرع بدعم وإنشاء كراسي بحث علمي تدعو إلى الوسطية في الإسلام في كثير من المعاهد والجامعات العريقة في الداخل والخارج، وكان يؤكد دائماً أن الإسلام دين محبة وسلام وأن من يقومون بتلك الأعمال الإرهابية المحرمة ليسوا محسوبين على الإسلام وأنهم فقط يمثلون أنفسهم وأن الإسلام بريء منهم، وكان سموه - رحمه الله - يبارك ويعمل مع أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بدفع مفهوم وسياسية الحوار مع أصحاب الديانات والثقافات الأخرى بعيداً عن الصراع الحضاري كما ينادي به البعض من هنا وهناك. وفي مسيرته السياسية دور كبير في معالجة كثير من الملفات الحساسة، خصوصاً قضايا الحدود مع بعض الدول المجاورة والتي عمل عليها للوصول إلى اتفاقات دائمة مع تلك الدول الشقيقة. وكان للقوات المسلحة السعودية والتي كان على رأسها لسنوات طويلة عمليات تحديث وتطوير مستمرة حتى الآن وكلنا يتذكر الدور الفاعل والمهم في الدفاع عن المملكة ضد من يبطن لها الشر، وكان للقوات السعودية دور فاعل في تحرير دولة الكويت والقضاء على بعض المجموعات المسلحة على حدودنا الجنوبية. لقد كانت له إسهامات في التطور الثقافي والمعرفي مثل تبنيه مشاريع ثقافية وموسوعية تخدم الثقافة العربية بشكل عام، وأعطى سموه اهتماماً بقضايا المياه والتصحر من خلال جائزة للمياه باسمه ودعم للأبحاث في مجالات المياه والمحافظة عليها وقضية التصحر. ماذا نقول عن قائد ورجل بهذا الحجم، والذي كان علامة من علامات التحديث والتنمية في بلادنا، له منَّا الدعاء والمغفرة، وإن التاريخ سيسجل جهوده وإنجازاته لبلده وأمته العربية والإسلامية وللعالم أجمع، رحمك الله يا سلطان الإنسان والقائد. [email protected] twitter | @akalalakl