لا أذكر أني تذكرت وجه سلطان في يوم من دون أن يأتيني وجهه متوشحاً بابتسامته الساحرة والآسرة. يالها من ابتسامة دافئة كدفء كشمس الشتاء، بيضاء كبياض الثوب الخالي من الدنس. رحل جسد سموه المثقل بالتعب والأنين عنا، ولكن ابتسامته الساحرة والآسرة ستبقى تتدلى من سقف الزمن كقنديل. لو لم يكن للكرم من اسم، لكان اسمه سلطان. فمن منا يقدر أن يجحد عطاءاته الأبوية وينكر إسهاماته الإنسانية؟! كان لسموه كف بلون الغمام ما مرت بشيء إلا وسقته بعد الظمأ، وخَضّرته بعد الاصفرار. كان لسموه قلب يتسع لهذا الكوكب برمته. أياديه البيضاء بلغت أقاصي الأرض لتمسح الحزن عن الوجوه، وتوقد الفرح في العيون. جرّب أن تبحر عبر سفينة «غوغل». سوف تسمع أصداء سلطان تتردد عبر البلدان والقارات. هذه مدارس أطفال في الأراضي المحتلة، وهناك مأوى للفتيات في الجزر الفيليبينية، وذاك مركز لعلاج أمراض السرطان في المغرب، وتلك مآذن تصدح «الله أكبر» في قلب أوروبا. أما عن الداخل، فحدث ولا حرج، فلا أحد يضاهي سموه في البذل والعطاء. أينما يممت وجهك، شمالاً أو جنوباً، شرقاً أو غرباً، فستجد فسائل الخير التي زرعها لنا ومضى. فمن لا يعرف «مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية» وما توافره من رعاية اجتماعية وصحية لذوي الحاجات الخاصة والمسنين؟ ومن منا لا يعرف «مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية» إحدى أكبر مدن التأهيل الطبي في العالم؟ ومن منا كذلك لا يعرف «مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية للإسكان» ومساعيها الخيرة في بناء مساكن عصرية وتمليكها للأسر المحتاجة؟ لا داعي للاستطراد أكثر، فإنجازات سموه وعطاياه ستظل محفورة وموشومة على ساعد السنين. هناك شيء آخر ورائع لمسته في شخصية سموه. هل تعرفون ما هو؟ أتحدث هنا عن حبه وملاطفته للأطفال. أشعر وكأن في قلب سموه طفلاً صغيراً لا يشيخ ولا يهرم. في أكثر من مناسبة رسمية وغير رسمية وجدته شديد الحدب على الطفولة والأطفال. لا تزال ذاكرتي تحتفظ بصورة ذاك الطفل الآسيوي الصغير الذي كانت أصابعه الصغيرة تعبث بلحية سموه، فما كان منه إلا أن طبع على خد الصغير قبلة حانية، ومد إليه بسبحته الثمينة. وهل تذكرون حواره العفوي مع ذاك الطفل الصغير في إحدى المستشفيات؟ كان الطفل يردد بأنه يريد أن يعود ويمشي على قديمه، وسموه يقول: تمن يا صغيري واطلب ما شئت.. سأجلب لك سيارة.. سأهديك ما تشاء. لا تشعر بأي مسافة ما بين سلطان الأمير والأطفال العاديين، وكأن أطفال العالم هم أولاده بالجملة، فما أروعك يا أبا خالد! مازلت دوماً أردد بيني وبين نفسي: لماذا يرحل الطيبون عنا؟ لماذا لا ينتظرون أكثر؟ كثير من الناس الرائعين رحلوا باكراً عن دنيانا وليس آخرهم سلطان. على رغم حزن الوطن على غياب الرجل الثاني إلا أنه سيبقى عالقاً في ذاكرة لا يمحوها النسيان ولا يطويها الزمان. ستبقى يا أبا خالد خالداً فينا كخلود الجبال، وممتداً فينا كامتداد الوطن، ومشرقاً فينا كإشراقة ابتسامتك الساحرة والآسرة. رحمك الله يا سلطان وأعاننا الله على فراقك. * كاتب سعودي. [email protected]