آذار (مارس) 2011 نهار رمادي في طهران، بناياتها تناطح السحاب وتزيد من الاحساس بالانغلاق. يقف جعفر بناهي على الشرفة، يدخن، يسقي الزهور، يصور بهاتفه المحمول... أمامه يوم آخر، يوم انتظار يجب أن يمر... بناهي كان في بيته ينتظر قرار محكمة الاستئناف، هو ممنوع من تحقيق الأفلام، من السفر، ومن المقابلات الصحافية لمدة عشرين عاماً. ليس هذا فقط، عليه أيضاً قضاء ست سنوات في السجن. فماذا يفعل بأيام الانتظار تلك؟ ماذا يمكن مخرجاً سينمائياً أن يقوم به وهو حبيس الجدران الواسعة... يصنع فيلماً بالتأكيد. هكذا قرر، تصوير يومه الطويل، تصوير المنع الذي يحظر عليه تحقيق ذاته، إرساله إلى مهرجان «كان» ليطلع العالم على حاله وحال السينما الإيرانية معه. يحاول في البداية تركيز الكاميرا في مكان ثابت لترصد تحركاته اليومية. لكنه مخرج متميز ومشهور وأحكامه صائبة، سيدرك بعد دقائق، كما المشاهد المتمرس، أن النتيجة تبدو زائفة. يقرر الاستعانة بزميل (المخرج مجتبى ميرتهماسب الذي أوقف هو الآخر من أيام قليلة لاتهامه بالتعامل مع «بي بي سي» الفارسية، يرغب بقراءة، تمثيل مقطع من سيناريو له رفضته الرقابة، كأنه بهذا يحققه غيابياً. قرار المنع يطاول إنجاز الافلام وليس قراءة السيناريو أو التمثيل كما استنتج من نص الحكم عليه. يحضّر مسرح المشهد، ويقرأ حواراً، فجأة يتوقف، يطرق الرأس ويقول بحزن «لو كان في الإمكان سرد فيلم، فما الفائدة من تحقيقه إذاً؟». يعود إلى مشروع آخر منع من تحقيقه، فيلم عن اليوم الأخير من الحرب العراقية-الإيرانية وعودة الجنود من مواقعهم. يتذكر أفلاماً له، مشاهد بعينها أثرت فيه. في فيلم «دماء وذهب»، فاجأه الممثل غير المحترف بأدائه في لقطة معينة «لم يكن لي دور في الموقف الذي أدّاه، اختار بنفسه رد فعله» كان مدهشاً ورائعاً. يعبر على مشاهد أخرى من سينماه، يعلق عليها ثم يعود إلى مهمات يومية، تلقّي المكالمات الهاتفية، غسل الخضار والفواكه، سقاية نباتات الشرفة وإطعام حيوانه العجيب الزاحف، عظَاية ضخمة. تدخل الجارة على الخط وكذلك ناطور البناية... يلجأ إلى الشاشة الصغيرة، يتابع الأخبار وتسونامي فوكوشيما، وعلى وقع عيد النار في آخر يوم أربعاء من السنة الفارسية الذي يضيء شوارع طهران بالمفرقعات وسمائها بالألعاب النارية، ينتهي يومه وفيلمه. بناهي يتواصل بذكاء مع العالم، من مكانه، من إقامته الإجبارية. من الدائرة المغلقة حوله يدير فيلماً بسيطاً يعبر عن حالة إنسان قهره المنع، عن سينما مهددة وسينمائيين يخشون الأسوأ، ومن خلال ذلك ترشح عبارات عن الوضع في إيران: لا حديث عن امور حساسة على الهاتف، «تعال وسأخبرك ولكن ليس على الهاتف» يقول لميرتهماسب، عن الحذر والخشية من الآخرين اللذين يعتادهما الإنسان «لا تقل لأحد انك ستأتي لعندي»، عن المواقع المحجوبة وخطوط الهاتف السيئة بسبب الضغط على الشبكة،... ليس على الهاتف بناهي لا يرغب في الانصياع، في الانتظار بهدوء، يتحدى المنع وهو يثير التضامن معه عالمياً على نحو يثير حفيظة المحافظين. في اتصال هاتفي تخبره محاميته أن الضغوط قد تنفع «الأمر متعلق بقرارات سياسية تعتمد على الوضع الداخلي والضغط الداخلي والخارجي»، وأن الحكم الذي سيصدر عن محكمة الاستئناف قد يؤكد الحكم الأولي أو يخففه ولكن لن يلغيه. وها هو حكم الاستئناف قد صدر... تشرين الأول (أكتوبر)2011 محامية بناهي أعلنت يوم الأحد الماضي أن محكمة الاستئناف قد أكدت حكم المحكمة الأولي بسجن بناهي ست سنوات وبمنعه من العمل والسفر وإجراء المقابلات عشرين عاماً. وتعلن المحامية أنها ستقدم استئنافاً إلى المحكمة العليا، مضيفة أن الحكم الأولي لم يطبق وبناهي كان ينتظر حكم الاستئناف في بيته. وكما نشر في صحيفة «طهران تايمز»، صرحت المحامية أنها «لم تتلق الخبر حول حكم الاستئناف كما أنه لم يؤكد رسمياً بل تداولته وسائل الإعلام الإيرانية». وقالت إنه يمكن «تعليق» حكم الاستئناف أو تسويته بدفع غرامة. وكانت محكمة الاستئناف قد خففت الحكم الأولي على المخرج محمد رسولوف من سنتين إلى سنة ورفعت عنه قرار منع المغادرة في ايار( مايو) الماضي. وكان بناهي قد أوقف مع رسولوف في آذار (مارس) من العام المنصرم ثلاثة أشهر لاتهامه «بالمشاركة في تجمعات مناهضة للنظام والدعاية ضده» إثر أحداث ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وصدر الحكم عليه في نهاية العام. ويذكر أنه كان محل خلاف بين السلطة التنفيذية والقضائية، فقد صرح اسفنديار رحيم مشائي مدير مكتب الرئيس الإيراني في 18 كانون الثاني (يناير) بعد صدور الحكم على بناهي بأنه «لا يقاسم قضاء بلده الرأي في منع بناهي من العمل لمدة طويلة» وأكد أن لرئيس الجمهورية الموقف نفسه «السيد بناهي أوقف من جانب السلطة القضائية ولم يكن هذا بتعليمات من رئيس الجمهورية ولا الحكومة». وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية على موقعها يوم الأحد (16/10) أن في مقدور بناهي بعد تنفيذ الحكم السفر الى الخارج، فقط إذا تعلق الأمر «بأسباب صحية» أو «لأداء فريضة الحج» في مكة.