قبل ثلاثين عاماً، في التاسع عشر من تشرين الثاني نوفمبر1977 على وجه الدقة، وصل الرئيس المصري أنور السادات في زيارة تاريخية الى القدس. وكانت تلك الزيارة الأولى من نوعها يقوم بها زعيم دولة عربية الى إسرائيل. وكانت، والمفاوضات التي أعقبتها، من أهم الأحداث التي شهدناها في تاريخ دولتنا الفتية. وحصل السادات على سيناء لقاء توقيع اتفاق السلام. وكسر الحظر العربي على اسرائيل، واعترف للمرة الأولى بحقها في الوجود. بيد ان اغتيال السادات بعد أربع سنوات على زيارته القدس لقن اسرائيل حقيقتين مؤلمتين: الأولى، أنها، على خلاف ادعائها، لا تفهم الا لغة القوة. وثبتتت الحقيقة هذه في حال الفلسطينيين. فلولا خوضهم الانتفاضة لما قبلت اسرائيل التوقيع معهم على اتفاقات أوسلو. وجدد"حزب الله"إثبات هذه الحقيقة. فلولا قتاله العنيد الجيش الاسرائيلي، لما حظي بالانسحاب من لبنان من غير ثمن. والعقود الثلاثة التي مرت، منذ زيارة السادات القدس، أدت الى تثبيت حقائق أخرى من الصعب تجاوزها. ففي المقاييس العسكرية، انتصرت اسرائيل في حرب الغفران 1973. وكبدت العدو خسائر بلغت ثلاثة أضعاف خسائرها، واحتفظت بسيطرتها على سيناء. ولكنها، على رغم ذلك خسرت الحرب في المفاوضات السياسية. وفي 1967 انتصرت اسرائيل، ولكنها خسرت نفسها. وفي حرب لبنان هزمت"منظمة التحرير"، ولكنها غرقت في الوحل. وفي حرب لبنان الثانية، وهي ولدت من سابقاتها، ضربت"حزب الله"، ولكنها سمحت له بالبقاء، وبالخروج من الحرب قوياً وأقوى تصميماً. والنتيجة القاسية، ولكنها نتيجة واقعية، هي، أنه سواء انتصرت ام هُزمت، على اسرائيل ألا تخوض حرباً جديدة قد تجر على أبنائها الخراب. فمنذ حرب قادش حرب السويس، 1956 التي قاتل فيها الجيش الاسرائيلي جنباً الى جنب مع الجيشين الفرنسي والبريطاني، لم تستطع اسرائيل انتزاع انتصار سياسي صرف بواسطة قوتها العسكرية. وانتصاراتها السياسية الوحيدة، وفي طليعتها السلام مع مصر، فرضت عليها فرضاً. وعلينا ان نتذكر الحقيقة المؤلمة هذه عندما نلوح بالحرب على ايران، وفي صورة خاصة على سورية. فثمة شبه كبير بين السادات في 1977 وبين بشار الأسد في 2007. فيومذاك، سخر الأميركيون والاسرائيليون من السادات، ولم يحسنوا تأويل ما يحصل. وقالوا ان السادات أحمق، وأن كلامه متلعثم، انزلوا"كاريزميته مرتبة أدنى بكثير من"سحر"سلفه جمال عبدالناصر. واقترح السادات السلام، جاءه الرد بالاستخفاف. ويُرد على الأسد، اليوم، على الطريقة نفسها. وعندما رُفض اقتراح السادات، خاض الحرب على رغم ضعف الجيش المصري قياساً على الجيش الاسرائيلي. وكان يتمتع بتأييد مزدوج، أميركي ودولي، وما كان يحمل، في 1977، على خيانة في نظر العرب، صار اليوم انجازاً. فالدول العربية كلها تريد السلام مع اسرائيل. وفعل ذلك عدد منها. والباقون يحتاجون الى ثمن لقاء ذلك. وثمة مجموعة ثالثة تتستر على علاقاتها بإسرائيل. ماذا تغير على جهتنا، في أثناء العقود الثلاثة المنصرمة منذ مجيء السادات الى القدس؟ على ما يبدو، لم يتغير شيء كثير. عن جاكي حوجي ، "معاريف" الاسرائيلية، 19/11/2007