تلمع الأراضي الرخامية وتزين الثريات البهو الرئيسي، ويغطي طلاء حديث اكشاك بيع التذاكر ولكن ينقص محطة قطار بغداد التي شيدت قبل خمسينات القرن الماضي، وجرى تجديدها بتمويل اميركي بلغ 60 مليون دولار شيء واحد: الركاب. ويخشى الركاب ان ينصب مسلحون مكامن او يفجروا قضبان السكك الحديد الى درجة ان القطار الوحيد الذي يقوم برحلة يومية بين بغداد ومدينة الموصل الشمالية لا يجد ركابا. وتقبع المركبات الصفراء والخضراء بلا حراك تحت الشمس الحارقة على ارصفة المحطة في حين خرج كلب ينبح مع مجموعة من الزائرين بينهم مسؤولو بناء المحطة. وقال محمد علي هاشم، مدير سكك الحديد"لا يوجد ركاب. انهم خائفون لدرجة تمنعهم من السفر. ربما تواتي الناس الشجاعة في المستقبل". وافتتحت المحطة الموجودة في حي خطير في بغداد أمام الجمهور، ولكن ليس هناك من يجرؤ على دخولها. واصاب الشلل شبكة السكك الحديد التي كانت مدعاة للفخر في فترة سابقة اثر عقود من الحرب والعقوبات والنهب في اعقاب اطاحة صدام عام 2003. وقال مسؤولو البناء الاميركيون الذين تفقدوا المحطة امس ان اعادة بناء خطوط السكك الحديد العراقية التي تمتد لأكثر من ألفي كيلومتر ضروري لإحياء الاقتصاد. وانفق حوالي 53 مليون دولار على غرفة التحكم التي تعمل عن طريق الاقمار الاصطناعية ورممت المحطة ذاتها بستة ملايين دولار اثر تعرضها للنهب عقب دخول القوات الاميركية بغداد. ولكن سوء حالة الأمن نتيجة اعمال العنف وتفشي الفساد ابطأ مشاريع اعادة البناء وتشمل المستشفيات والمدارس والكهرباء وتكلف 20 بليون دولار. وتوقف خط السكك الحديد الذي يربط بغدادوالبصرة قبل ثلاثة أشهر بعدما دمر مخربون القضبان جنوب العاصمة مباشرة. وأصيب علاء الدين صادق، نائب المدير العام للسكك حين اطلق مسلحون النار عليه اثناء اشرافه على اعمال الاصلاح قبل عامين. ويقول:"نهبت المحطات وضربت القطارات بالقنابل". وقدر مسح اجري بعد الحرب أن اعادة تشغيل شبكة السكك الحديد في العراق يحتاج الى بليوني دولار. ولا يزال قطار وحيد ينقل المعدات الالكترونية والفاكهة من سورية الى الشمال الغربي الى الموصل وبغداد بينما يسافر قطار اخر من الحلة الى البصرة في الجنوب. وشيد مهندسون المان وبريطانيون خط السكك الحديد في بغداد في أول عقدين من القرن العشرين في ظل السباق بين برلينولندن للسيطرة على المنطقة وكان في وقت ما طريقا حيويا يربط اوروبا والشرق الاوسط. ونظمت شركة"توماس كوك"رحلات سفر بالقطار بين لندنوبغداد للعملاء الاغنياء مفاخرة بأنها"آمنة وسريعة واقتصادية". وتمتعت الكاتبة البريطانية اغاثا كريستي، وكانت تملك منزلا في بغداد، بالرحلة التي تستغرق ثمانية ايام عام 1928 والهمتها كتابة روايتها البوليسية"جريمة في قطار الشرق السريع". وشيدت المحطة الحالية بعد 25 عاما في عهد الحكم الملكي وفيها مكتب تلغراف وبريد وبنوك ومناطق تسوق ومطاعم. واليوم تزين البهو الرئيسي للمحطة صور لرجل الدين مقتدى الصدر وهو من الشخصيات ذات النفوذ في العراق بعد الحرب ويسيطر انصاره على وزارة النقل. وتستغرق الرحلة اليومية من بغداد الى الموصل عشر ساعات يقطع خلالها القطار مسافة 400 كيلومتر، ويتوقف في سامراء وتكريت مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين وتكلف 50 سنتا اميركيا، ومع ذلك تخلو عربتا القطار من الركاب باستثناء العاملين وخمسة من رجال الشرطة. ويغادر القطار رقم 11 المحطة خالياً في الثامنة صباحاً. ولا يزال المهندس احمد ابراهيم يأمل في تحسن الاحوال ويقول ان من المهم تسيير القطارات.